امتزاج الفلسفة والمعاش في «فيلم سينمائي».

حين يتردى الفضاء المعيشي للأفراد فإن النفس تبحث عما يثبتها وجدانيا، ويقال إن الطرق الصوفية ازدادت مع سقوط بغداد من قبل الاجتياح المغولي. ومع سقوط المكان استعاض الناس بالروحانيات من خلال التصوف. هذه المقدمة أجدها جيدة لتناول فيلم (ألوان السماء السبعة)، وهو فيلم قديم استضافني في احدى ليالي العيد ليكون بهجة تلك الليلة. الفيلم إنتاج 2007 بطولة ليلى علوي وفاروق الفيشاوي، وكانت أحداث وشخصيات الفيلم متردية، وساقطة على مستوى القيم الاجتماعية، فصباح (ليلى علوي) استترت بالكذب لتحقق احتياجات أسرتها بعد موت أبيها، فمع إصرار والدتها على استكمال تعليمها، وتعليم شقيقها الأصغر (عمرو ممدوح) إلا أن الأوضاع المالية ضيقة أمام اتساع حلم صباح ووالدتها أيضا، فتعرفت على «مدام نادية» التي تدير شبكة تجارة شنطة، وهي تجارة مغلفة لتجد صباح أنها هي السلعة أو البضاعة التي تعرض على متنفذين وأثرياء لقضاء المتع المحرمة، ومع انسياقها في بيع جسدها حدث تبدل في اسمها (من صباح إلى حنان) وتبدل وضعها المالي لتصبح أكثر ثراء، وأقرب لتحقيق ما تريد وقد علقت بحب شاب (معتز بلبع) أحد زبائنها. في سفرياتها المتكررة، وقد اعتقدت بأن هذا الحبيب سوف يتغاضى عما هي عليه من اصطحاب الأغنياء والسفر معهم والتمتع بها كبضاعة تستخدم في وقت تواجدها معهم، وظلت في انتظار الحبيب. وأثناء ذلك الانتظار أُعجبت ببكر (فاروق الفيشاوي) راقص التنورة، ومع تقاربهما وإعجابهما تكتشف أن كل الأشخاص المرتبطين بهما يعيشون حالات مختلفة من التردي.. حتى أن (شريف رمزي) ابن بكر (فاروق الفيشاوي) الراغب في تعلم رقصة التنورة كان غارقا في متع تثقله ولا تمكنه من التحليق، فالسمو الروحاني لا يتأتى لمن رسب في متع الحياة، ولست في حاجة للتعمق في سرد حياة بقية شخصيات الفيلم، وإنما استهدفت عمق الرسالة من خلال رقصة (التنورة)، وهي رقصة تتعمق عمقا إلى أن توصلك إلى صوت الناي الذي يبث آلام الحنين والذي يقول عنه جلال الدين الرومي: «مُذ قُطعت من الغاب وأنا أحنُ إلى أصلي». ورقصة المولوية دورة على صوت الناي دورة الوجود المادي، وحين ترقص تلك الرقصة، او تخلع التنورة تعيدك الى فكرة ان النفس قُطعت من العالم الأعلى وحُبست في جسد، ورمزية رقصة التنورة هي التصاعد، والسمو حتى ينتقل الراقص من الأوحال إلى السموات السبع، وهنا يكون لاسم الفيلم معنى واضح تماما. وفي هذا إشادة بالسيناريو والمخرج حين تتضافر جهودهما في خلق امتزاج بين الفلسفة وواقعية الحياة المعاشة في صورها، ورداءتها التي ليس لها من مخرج إلا من بوابة عقلية فلسفية، تنجيك من الدمار الكامل، والاقتراب من السمو في محاولة التحليق الدائم، فطيران الإنسان لا يحدث بمجرد التفكير أن ترف بيديك عاليا، فالقلب هو من يصعد بك الى عليين. وهناك أفلام تعملقك بما تمنحه لك من قيمة وجودية عالية. أردت القول إن المنشغلين بالسينما يستوجب أن يكونوا قارئين كي يستندوا بقضبان فلسفية تخرجهم من مآسي الواقع المتردي كوسيلة انتقال الى العوالم المخبأة في جوهر النفس التي قُطفت من السماء، وحُشوت داخل جسد يأكل نفسه بنفسه من خلال متع زائلة.