رُهَاب الإخفاق

اعتدنا أن ننجح، وأن نتقدم باتجاه واحد، تعلمنا اليقظة الدائمة، ولم يكن الفشل إطلاقًا من ضمن الخيارات المدرجة في أيقونة الحياة، وإن سقطنا نسقط دون شعور، لذلك لم نتعلم الجرأة في الفشل قط، ولم نَدْرس كيف نتقبل السقوط، ونجعل منه نقطة انطلاق أقوى. نعيش تحت وطأة المشاعرالمكتومة، والتراجع غير المرئي، وتجربة لفّتها فوضى تقبع في أعماق الذات، ونظل نحن رهن الخوف من التقدم والمحاولة مرة أخرى والوقوف خاليي الوفاض مطأطئين ذواتنا انكسارًا وخيبة. ما لا ندركه أن الفشل أفضل معلم، وأفضل مدرسة لإعادة التأهيل، واكتشاف مواطن القوة والضعف في الشخصية، والبحث عن الميول والاتجاهات. أن تفشل لا يعني أن قدراتك محدودة، أو أنك لست جديرًا بالنجاح، بل يعني أنك اخترت الأداة الخاطئة أو التوقيت غير المناسب. أن تفشل يعني أنك تحاول، وأن تحاول يعني أنك على قيد الحياة، لأن أولئك الذين اختاروا الاستقرار في منطقة الراحة وعدم التجربة ما هم إلا على قيد الخوف. قرأت كتاب (مت فارغًا) للمؤلف (تود هنري)، وقد شارك فيه سؤالًا عن أغنى مكان في العالم، وقد يتبادر إلى ذهنك نفس الإجابة التي أجبتها وأجابها بقية القراء؛ أن أغنى الأماكن هي مناطق البترول، أو هي مناطق المعادن، أو دول النهضة الاقتصادية، ولكن الإجابة كانت أعمق من ذلك بكثير، إنها المقابر! تلك التي دفنت فيها أحلام لم تحقق، وتجارب لم تنفذ، وقصص لم تدون، وأشخاص عاشوا على قيد الخوف من الفشل، أن تموت فارغًا يعني أن تفرغ كل ما في جعبتك قبل أن ترحل، أن تحاول وتفشل وتفشل وتفشل ثم تنجح. لا أعني بذلك أن تصبح شخصًا فاشلًا، بل أن تواجه الفشل وتقرّبه، وتستفيد منه وتتجاوزه، أن تجعل الفشل جرعة علاجية للمرحلة التالية، لا أن تموت بجرعة مفرطة منه. إن أغلب سير العظماء تحكي سقوطهم ثم نهوضهم، محاولاتهم وإصرارهم على الوصول، وما لاحظته أنهم جميعًا اتفقوا على التفاؤل وتقبل الأخطاء، حاملين على عواتقهم طموحاتهم ورغباتهم التي تكللت بالنجاح والبلوغ. إن السماح لطائر الخوف أن يحلق فوق رأسك قد يحرمك امتطاء صهوة أحلامك، التي ربما تأخذك إلى مرابع أخرى، أو ربما تقفز بك حواجز التيه فتجد الجانب الآخر منك. قد يكون سبب هذا الرهاب أنّنا نقيس قيمتنا أو جهودنا من خلال النتائج المتوقعة، وهذا خطأ فادح، لأن النتائج متغيرة وليست ثابتة، إن ما يمثل قيمتنا الحقيقية هو الوعي بكل أبعاده، فهو يشابه ائتلاف الحواس الخمس داخلنا، فالوعي يمنحك الشجاعة والقدرة، وحتى السيطرة على النتائج بكل حالاتها. الوعي وحده يعلمك فن الفشل، وكيف تجعل منه وترًا ذا مرونة لقوسك الذاتي، حتى تنطلق منه كسهم شحذت أطرافه قاصدًا غايته، باعثًا فيك القوة بأن لا تفر تاركًا الساحة، وأن تخوض غمار التجربة. تثبت الدراسات أن أكبر معوقات الإبداع لدى الإنسان هو الخوف، لأنه كساكن القلعة المهجورة يفر من وحشتها إلى ذواتنا، ويتدثر تحت غطاء أحلامنا، يقنعنا بأن معنى الخوف من الفشل هو الرضا بالواقع، وأن السلامة من سخرية الآخرين مكسب، وأن التردد هو خطة قيد التنفيذ… للتخلص من هذا الرهاب أو لمقاومته، نحتاج إلى المونولوج المستمر مع ذواتنا، لأن ذلك كفيل بأن يوقظ ذلك المتدثر بداخلنا، أن ينزعه من جذوره، أن يبعث فينا السلام الداخلي. إن الصوت الذاتي يملك قدرات خارقة لخلق ذات جديدة، وتعزيز الوعي حول النفس والمحيط الخارجي هما الدواء وقت الألم، والتصفيق وقت النجاح والإقدام وقت الخوف، والسكينة وقت الاضطراب. يقول باولو كويلو: «أخبر قلبك أن الخوف من المعاناة أشد سوءًا من المعاناة نفسها».