الشَّبكة

كانت بُنَيَّتُهُ بجانبه تعبث بهاتفٍ جوَّالٍ إذا هَتَفَ هُتَافَهُ في زُغْبِ الحَوَاصِلِ أَصَمَّ وَأَبْكَمَ؛ و إذا جال جَوَلانَهُ في فِلْذَاتِ الأكبادِ سَكَّنَ متحرِّكها بَدْءًا مع أنَّه لا يُبْتَدَأُ بساكنٍ. فكَّر وقدَّر: كيف سأصرفها الآن عن هذا العابث اللّاعب بها؟ وبِوُدِّي- وإن كنت أبا شُجاعٍ- لو خلّصتها منه بالإقناع؛ ولكن كيف..؟ كيف..؟ وبينا هو يدير في رأسه الخُطط ويلبس جلد الثّعالب إذا بالشَّبكة تدور وتدور وتدور؛ فانفرجت أساريره وعرف أن الشَّبكة التي لطالما صادت له المشاكل صادت له الآن حلًّا عظيمًا. - يا قطرة الفجر الأنقى، يبدو أنّ الشَّبكة سيِّئةٌ الآن؛ فهاتِ الجوَّال. - تتشبَّث به وتمدّ أصوات التَّذمُّر مدًّا. - يمسح على رأسها ويرقِّق صوته الأبويّ: يا دَوَّارَة القلب، دعينا نلعب سويًّا؛ فالشَّبكة إذا لَفَّتْ ودارَتْ لا تعود بسرعةٍ؛ لنستغلَّ الوقت بتجربة لعبةٍ جديدةٍ نكتشف فيها طفولتنا معًا. - تواصل المقاومة ويواصل محاولاته المُضْنِية للحوار؛ فلا حلّ عسكريًّا لهذه الأزمة، وبعد لَأْيٍ تستسلم للواقع. وبعد أن ساعفته الشَّبكة في هذا الموقف، تغيَّرت نظرته لها؛ فصار يرى ضعفها وانقطاعاتها حلًّا إبداعيًّا مبرمجًا لخدمة المجتمع وأنسنة الاتِّصالات؛ فلا يخفى ما آلت إليه الوشائل بين الآل؛ إذْ صارت كما قال الشَّاعر: وأشدُّ ما لاقيْتُ مِن ألَمِ الجَوى قُرْبُ الحَبيبِ وما إليه وُصولُ كالعِيسِ في البَيداءِ يقْتُلُها الظَّمَا والماءُ فوقَ ظُهورِها مَحْمُولُ وكقول الآخر: كتجاور العينين لا يتلاقيا أبدًا وبينهما قصيرُ جدار ثمّ إنّه بنى على تجرِبته وحدّد وقتًا معيَّنًا في اليوم يستعمل فيه الجوّال ولا يمسّه في غيره إلَّا لضرورةٍ مبيحةٍ، وانتقل هذا الأمر شيئًا فشيئًا إلى عائلته، وصار يلاعب ابنته ويقرصها قرصات حبٍّ في (العقرب الصغير) الذي يقضيها معها. وحقَّق بعد عجزٍ طويلٍ اكتفاءً وجدانيًّا؛ فامتلأ قلبٌ بقلبٍ وعينٌ من عينٍ.