عقل الابتكار .

هل تختلف الأفكار التي تأتينا باختلاف الوضعية التي نكون عليها؟ وهل ما نكتبه ونحن في غرفة مغلقة يختلف عمّا نكتبه في فضاء مفتوح؟ ولماذا كان الفلاسفة يؤكدون دومًا على أهمية المشي في عملية التفكير؟ يعوّل كثير من الخبراء والمنظرين في مجال الابتكار على الدماغ في توليد الأفكار وابتكار الحلول، ويقدمون النظريات والأدوات لرفع مستوى الذكاء وزيادة تفعيل الدماغ، أملًا في الوصول إلى عقلية مبتكرة قادرة على التعامل مع التحديات وحل المشكلات. التمحور حول الدماغ يكاد يكون هو صلب الكثير من نظريات الذكاء، وتتمايز تلك النظريات فيما بينها في قدرتها على تفسيرات جديدة أو تقديم أدوات حديثة لاستنطاق الدماغ من الداخل، إلا أن كتابنا اليوم يغير هذه الطريقة ويبتكر رؤيته الخاصة عن طريق تعزيز التفكير خارج الدماغ. قدمت أني ميرفي بول، الكاتبة العلمية المشهورة التي ظهرت أعمالها في نيويورك تايمز وبوسطن غلوب وغيرها من المجلات العلمية، كتابًا بعنوان “العقل الممتد: قوة التفكير خارج الدماغ”، عام 2021م، وفي الوقت الذي تُصرُّ في ثقافتنا على أن الدماغ هو موضع التفكير الوحيد وأنه مساحة الإدراك المطوقة، يجادل هذا الكتاب بخلاف ذلك فهو يرى أن العقل يبني عمليات التفكير لدينا من الموارد المتاحة خارج الدماغ، وتدعونا آني إلى التفكير خارج دماغنا باستخدام ثلاثة موارد: أجسادنا بكل ما فيها من أحاسيس وحركات وإيماءات، والمساحات المحيطة بنا سواء أكانت للسكن أو للتعلم، وعلاقاتنا مع الخبراء والأصدقاء والجماعات، وهي الأجزاء الثلاثة التي يتوزعها الكتاب. يُعلمنا الكتاب كيف نمدد عقولنا، وكيف نضبط إحساسنا الداخلي ونتعامل مع إشاراته لاتخاذ قرارات أسلم، وكيف يمكن لتحريك أجسادنا أن يدفع عقولنا نحو فهم أعمق، ونتفحص السبل التي يمكن تعزز بها إيماءاتنا وحركات أيدينا ذاكرتنا، ونتعرف على كيفية إعادة انتباهنا عن طريق المساحات الطبيعية، وندرك ما لتصميم المساحات المبنية في منازلنا ومقرات أعمالنا من قدرة على تعزيز طاقتنا الإبداعيّة، وأثر نقل أفكارنا من رؤوسنا إلى فضاء الأفكار في الحصول على رؤى واكتشافات جديدة، ونستقصّي كيف يمكننا أن نفكر بعقول الخبراء، إضافة إلى كيفية التفكير مع زملائنا في الدّراسة وزملائنا في العمل وأقراننا الآخرين، ولماذا يكون التفكير في مجموعات أكثر من مجموع تفكير أعضائها منفردين. يقص علينا الكتاب، طوال ثلاثمئة صفحة، سردية مختلفة عن كثير من الابتكارات المنسوبة طوال التاريخ إلى “عقول آخرين”، ويبيّن كواليس الامتداد الخارجي الذي ساهم في ولادتها وتأثيرها، ستجد في الكتاب العديد من الأسماء والتجارب والحكايات من مختلف المجالات. كما يعمل العصا كامتداد للمكفوف، تعمل أشياء خارجية كثيرة كامتدادات عقلية تسمح لنا بالتفكير بطرق لا تستطيع أدمغتنا إدارتها بشكل مستقل.