العيد ومراجيح الفرح.

مرّت علينا، بفضل الله، أعياد كثيرة، كلٌّ منها يحمل نكهته وأجواءه. منذ أن كانت المراجيح أمتع ألعاب جيلنا، وحلاوة الحلقوم ألذّ ما يمكن أن نتذوقه في مثل هذه الأيام، إلى هذا الحاضر الذي نرى فيه أبناءنا يستمتعون بأرقى ما قدّمته التكنولوجيا في عالم الألعاب الإلكترونية. أما الحلويات، فحدّث عنها ولا حرج... ما لذّ وطاب! ومن الطبيعي أن تتغيّر الحياة، ويعيش كل جيل وفق ظروفه وسياقاته الاجتماعية. ولو قارنا جيلنا بمن سبقونا، لوجدناهم لم يعرفوا المراجيح ولا “الزحليقة”، -الزَلَّاقَة كما ذكرت في بعض المعاجم- بينما كنّا نحن نراها قمة المتعة وذروة الترفيه. واليوم، نرى أبناءنا قد بلغوا ذروتهم، فيما أصبحت ألعابنا مجرّد “دقّة قديمة”، كما نقول بلهجتنا الدارجة. لكن، ورغم تغيّر المظاهر، يبقى لعيد الفطر السعيد إيقاعه الخاص، وموسيقاه التي تترنّم لها القلوب. هي أيام بهيجة تأخذنا خلسةً من روتين الحياة وضغوطها، وتجمعنا بمن نحب: من الأقارب، والأصدقاء، والأحبة. وكما نرتدي في العيد الثياب الجديدة، تتجدّد مشاعرنا، وتنبض قلوبنا بأعذب الكلمات، وأصدق القبلات، وأدفأ التحايا. وقد قيل: هزّ الهلالُ قلوبَ الناسِ فانطلقتْ أفراحُهم بضياءِ العيدِ تزدهرُ حتى الهموم والآلام، نجد من بيننا من يُعرض عنها، ولا يسمح لها أن تُفسد على الآخرين فرحتهم. ولمسنا هذا منذ الطفولة، حين كنّا نرى الكبار – رغم تعب الأيام – يتجاوزون آلامهم بابتسامات عريضة، يشاركون بها بهجة العيد، كأن الحياة تشعّ من وجوههم. وكتب الدكتور طه حسين في حديث له نُشر بمجلة الرسالة عن هذا المعنى قائلًا: “أما أنا فقد كنت أتحدث إلى نفسي وإلى أصدقائي في أيام العيد أحاديث مختلفة، منها الباسم ومنها العابس، فيها الجد وفيها الهزل. ولكني كنت أحتفظ لنفسي بأشد هذه الأحاديث مرارةً ولذعًا. لأني أعلم أن الناس يكرهون في أيام العيد، وفي غير أيام العيد، مرارة الحزن ولذع الألم.” اختلفت طبيعة أغاني العيد بين الأمس واليوم، لكنها لم تفقد حرارتها أو قدرتها على إدخال البهجة. وكما غنّت الست أم كلثوم لجيلها: يا ليلة العيد آنستينا … وجددتِ الأمل فينا يردّد أطفالنا: أهلاً أهلاً يا عيد أهلاً يا زينةَ المواعيد وسهلاً العيد أن نبتسم وكأن الفرح لا يغادرنا.