كالوشم في ظاهر اليد.

كيف يكتب محمد العلي؟ وهل هو يسأل أم يجيب على الأسئلة أو يفتح نوافذ لتفكير . وهل اختلفت كتاباته طوال العقود الستة من كتابة المقال. وماهو الدافع لك لقراءة مقال الأستاذ؟ أولاً شكرا لك هذه الأسئلة تحرض على تحريض الذاكرة. وأتفق معك تماما الأستاذ محمد العلي في مقالاته العميقة والموجزة يطرح أسئلة يتعين الوقوف عليها وتقليبها لتخصيب الساحة الثقافية والفكرية وتخليصها من شوائب الجدل العقيم. كيف يكتب العلي؟ المبدع الكبير يستطيع أن يقدم لك في بضعة سطور ما يماثل كتابا. يكتب هذا المبدع الخلاق باحتراف كما لو أنه يقيم في مدينة الكلمات. الفنان الحاذق محمد العلي لا يتركك تخرج من مقالاته الذكية بلا دهشة، لأنه يقبض على المسلمات التي لا يلتفت لها أحد ويعيد تعقيمها بروح الفيلسوف. لطالما تعمدت ألا أقرأ رسائلك المتضمنة مقالات الأستاذ إلا متأخرا، بعد أن أكون في حالة مزاجية قادرة على احتمال صرخة الجمال المدوية حتى في بياض ما بين السطور. هذا المعجم الذي يسكّه الكبير العلي بأناقة قلمه. محمد العلي هو المعاصر الوحيد ربما الذي يمكنه بألعاب الساحر أن ينفخ الروح في تحفة أثرية ويعيد إليها حياة مرة أخرى. والأسبوع الذي لا يكتب فيه الأستاذ يأتي ناقصا سبعة أيام. يكتب الأستاذ العلي بلغة رمزية لا يضاهيه فيها أحد، ويمتلك مهارة أن يقول كل شيء بإيماءاته الذكية دون أن يقول شيئا. كلماته تشبه خرير الماء يسمعه الجميع، ولكن لا يترجمه إلا قليل كنت أحتفظ بمقالاته منذ قرأته في (وقوفا بها) في الثمانينيات فتتملكني الدهشة وما أزال مأخوذا به. الأستاذ بهذه المقالة الخاطفة كطلقة النور يتجاوز حدود الشعر إلى تخوم لم يطأها أحد من قبل. هذا الرجل المكون من عدة طوابق إذا قرأت كلماته ثم تمكنت من النجاة - وقلما حدث ذلك - فإن ثمة في بياض ما بين السطور أكثر من هاوية لا نجاة منها. من يقرأ محمد العلي ولا تتهشم تحت مطرقته الهياكل التالفة فعليه أن يتأكد إن كان مايزال على قيد الحياة. لا يمكن أن يكتب أستاذنا أبو عادل - وأستطيع أن أجزم بالقول - ولن يكتب إلا أن يجبرك أن تعدل من وعيك وتفتح عينيك كما لم تفتحهما من قبل على تلك الأسئلة المدببة التي يسري فيك أثرها كالكهرباء. في هذه المقالة يجترح سهما (كل شيءواضح في التعريف ماعدا مفردة واحدة هي الاعتبار!! وهي إشارة لمن يقرأ جيدا كلمة عابرة يحولها هذا المفكر إلى جرح سيلاحقك ويشحذ ملكة التأصيل اللغوي من منابعه العميقة. لسنوات التكوين الأولى حيث الحركة الثقافية والسياسية والدينية في العراق في أوجها شكلت تجربة وربما صدمة تركت أثرها عميقا في شخصية الفتى القادم من الأحساء الحالم بجبة الناسك وهي تجربة مازالت آثارها تظهر على كتاباته وشعره كالوشم في ظاهر اليد. قبلة لجبينه العالي