البروفيسور ميشيل سادلين الفائز بجائزة الملك فيصل ـ فرع الطب لعام 2025

ميشيل سادلين... صانع الأمل من خلايا الإنسان.

في عالم الطب، حيث تُخاض المعارك ضد الأمراض في أروقة المختبرات وغرف العمليات، يتوهّج ضوء الأمل أحيانًا من اكتشاف علمي لا يُغيّر مصير مريض واحد فحسب، بل يُعيد رسم مستقبل العلاج بأكمله، هذا ما فعله البروفيسور الكندي ميشيل سادلين، أحد أبرز علماء المناعة في عصرنا، والذي توجّت مسيرته الرائدة بجائزة الملك فيصل العالمية للطب لعام 2025، تقديرًا لإسهامه الاستثنائي في تطوير العلاجات الخلوية المناعية، وبخاصة علاجات «CAR-T» التي أحدثت تحوّلًا عميقًا في مسارات علاج السرطان. تحوّل علاجي لا يشبه ما قبله وُلد البروفيسور ميشيل سادلين في مونتريال بكندا في عام 1957م، وتلقى تعليمه الطبي في جامعات كندية وفرنسية مرموقة. لم يكن الطب لديه مجرد مهنة، بل بوابة لفهم أسرار الجسم البشري وتسخيرها في معركة الحياة ضد المرض. جذبته منذ البداية علوم المناعة والوراثة، فاختار أن يكرّس جهوده للبحث في كيف يمكن تحويل الخلية البشرية نفسها إلى علاج. ومع مطلع التسعينيات، التحق بمركز ميموريال سلون كيترينغ للسرطان في نيويورك، حيث بدأ رحلته العلمية التي ستحمل توقيعه في مستقبل الطب. في هذا المركز البحثي الشهير، أسّس سادلين مختبرًا متخصصًا في الهندسة المناعية للخلايا، وركّز على كيفية تسخير الخلايا التائية (T-cells) في الجهاز المناعي لمواجهة الخلايا السرطانية. رؤيته كانت جريئة: بدلاً من مهاجمة السرطان بالأدوية الكيماوية أو الإشعاعية، لماذا لا نقوم بتعليم الجهاز المناعي أن يتعرف على السرطان ويقضي عليه بنفسه؟ جاءت الإجابة من خلال ما يُعرف اليوم بعلاجات CAR-T (مستقبلات المستضدات الكيميرية)، وهي تقنية تقوم على تعديل الخلايا التائية للمريض جينيًا لتصبح قادرة على التعرف بدقة على الخلايا السرطانية ومهاجمتها مباشرة. وكان سادلين من أوائل من طوّروا هذا النوع من العلاج وطبّقوه في التجارب السريرية، ولاقت النتائج استحسانًا عالميًا بعدما أظهرت نسب شفاء ملحوظة لمرضى كانوا في مراحل متقدمة من سرطانات الدم مثل اللوكيميا واللمفوما. ولأول مرة، بات الحديث عن علاج شافٍ للسرطان، وليس فقط تخفيفًا للأعراض، أمرًا واردًا في أوساط الطب الحديثة. لكن طموح سادلين لم يتوقف عند حد. فقد واصل أبحاثه في توسيع نطاق استخدامات هذه التقنية، وحقق مؤخرًا تقدمًا مذهلًا في تجربتها على الأمراض المناعية الذاتية، بل وحتى على بعض الأورام الصلبة التي طالما استعصت على العلاجات المناعية. هذا الاتساع في الأفق العلاجي منح أبحاثه قيمة مضاعفة، وأكّد أن الخلايا قد تكون في المستقبل القريب صيدلية متنقلة تعالج الإنسان من داخله. تكريم علمي من قلب الرياض في حفلها السنوي بالرياض، كرّمت جائزة الملك فيصل العالمية هذا العام البروفيسور ميشيل سادلين بجائزة الطب في دورتها السابعة والأربعين، تقديرًا لريادته في “العلاج الخلوي” الذي كان موضوع الجائزة، وقد أثنت لجنة الاختيار على “أثر أعماله التي نقلت العلاج المناعي من المفهوم إلى التطبيق، وفتحت آفاقًا غير مسبوقة في طب السرطان والمناعة”. ويُعد هذا التكريم تتويجًا لمسيرة علمية امتدت عقودًا، شهدت أكثر من 250 ورقة بحثية رائدة، ومساهمات بارزة في تطوير أولى النسخ التجارية من علاجات CAR-T التي حصلت على ترخيص رسمي من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA). كما يشغل سادلين مناصب استشارية في عدة هيئات بحثية دولية، ويقود اليوم الجهود نحو جيل جديد من العلاجات المناعية أكثر أمانًا وفعالية.