من احتكار الأرض إلى عدالة التمكين.

في خطوة تاريخية تعكس جسارة التحول الوطني وجديته، وجّه “سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود” حفظه الله – باتخاذ حزمة من الإجراءات التنظيمية الشاملة لإعادة هيكلة السوق العقاري في “العاصمة الرياض” مُحدثًا بذلك نقطة تحول كبرى في مسار التنمية الحضرية، والعدالة الاجتماعية، والتمكين الاقتصادي. القرار الذي أُعلِنَ رسميًا في 29 مارس 2025 عبر “وكالة الأنباء السعودية” تجاوز كونه استجابة ظرفية لاضطراب السوق العقاري، ليغدو مشروعًا تنمويًا ذا طابع استراتيجي يعالج جذور الاختلالات المزمنة، ويعيد بناء السوق وفق أسس العدالة والتنمية والاستدامة، منسجمًا مع مستهدفات “رؤية السعودية 2030”. إن رفع الإيقاف عن أكثر من (81) كيلومترًا مربعًا من الأراضي الواقعة شمال العاصمة ليس مجرد تحرير لأرض، بل هو توليد لفرص التملك والعيش الكريم، وتعزيز لحقوق الشرائح المتوسطة التي تحمل على كاهلها تطلعات التنمية الوطنية. وبتخصيص أراضٍ في مخططات مطوَّرَةٍ بأسعار لا تتجاوز (1500) ريال للمتر المربع، ووفق شروط تضمن وصولها للمواطنين المستحقين دون سابقة تملك، فإن الدولة – بهذه المكرمة - ترسّخ قيم الإنصاف وتضع حَدًا لممارسات الاحتكار. ثم تأتي الاشتراطات التنظيمية المصاحبة – كمنع البيع أو الإيجار أو الرهن لمدة عشر سنوات – لتعكس رغبة صادقة في تحويل هذه الأراضي إلى منازل عامرة، لا صفقات عابرة، وتؤكد أن الحكومة لا تطرح الأراضي بهدف تدوير الثروة، بل بهدف تحقيق السكن الفعلي وتوطيد الاستقرار الأسري والاجتماعي. من الزاوية الاقتصادية، فإن هذا القرار – الحكيم - يعيد التوازن للسوق عبر ضخ معروض عقاري مدروس، يُسهم في كبح جماح الأسعار، ويوجّه رسائل واضحة إلى السوق بأن المرحلة القادمة عنوانها: التطوير لا المضاربة، والتنمية لا التجزئة. ولا يخفى ما لهذه الخطوة من أثر مباشر في تنشيط قطاعات المقاولات، والتطوير العمراني، وسلاسل الإمداد المرتبطة بقطاع البناء. كما أن التعديلات المنتظرة على رسوم الأراضي البيضاء ستدفع المستثمرين نحو التحرك الفعلي لا الانتظار الاحتكاري، وتكسر دوائر تجميد الأراضي التي عطلت إمكانات المدينة لسنوات. على الصعيد الاجتماعي، يُعَد القرار نُصْرَة حقيقية للطبقة الوسطى، تلك الطبقة التي طالما كانت ضحية لفوضى الأسعار وتضييق فرص التملك. فبتحديد شروط صارمة تحول دون تحويل الأرض إلى سلعة للتربح، فإن الدولة تحمي حق المواطن في السكن، وتُعيد للطبقة الوسطى بسمتها التي توارت خلف سحب التضخم العقاري، وتمكنها من تولي دورها المحوري كركيزة للاستقرار والتماسك المجتمعي. أما فيما يتعلق بسوق الإيجارات، فإن التوجيه – الحكيم - بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر خلال (90) يومًا يمثل نقلة نوعية في حماية حقوق الأطراف، وضبط السوق بما يحقق التوازن بين العائد الاستثماري والعدالة الاجتماعية. ومن منظور استثماري، فإن البيئة الجديدة للسوق تُعيد تعريف جاذبية الاستثمار العقاري في المملكة. فالمستثمرون الذين يمتلكون رؤى تطويرية حقيقية، خاصة في مشاريع المجمعات السكنية والبنى التحتية، سيجدون مناخًا مشجعًا، وسوقًا منظمًا، بينما ستنحسر الفرص أمام من كانوا يعتمدون على المضاربة، ويقتنصون تقلبات السوق. وعلى الرغم من التحديات التي قد تواجه السوق الثانوية نتيجة تقييد التصرف في الأراضي الممنوحة، فإن هذه السياسة ستفرز تحولات إيجابية طويلة الأمد، تُسهم في رفع جودة المنتج العقاري، وتعزز من ثقافة البناء الذاتي، وتدعم ظهور سوقٍ تمويلي موازٍ يتجه نحو حلول بناء مستدامة وشراكات مصرفية مرنة. ومن الجانب السياسي فإن هذا القرار يُجَسِّد الالتزام القوي من قِبَل الدولة – أيدها الله - بحماية مكتسبات المواطن، ويؤكد قدرتها على التدخل الحازم لضبط الأسواق، وتفعيل أدوات الحوكمة الرشيدة، وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة، خاصة في القضايا ذات الأثر المباشر على الحياة اليومية. كما أن إسناد مهام الرصد والمراقبة إلى “الهيئة الملكية لمدينة الرياض” و “الهيئة العامة للعقار” يعكس مستوى التقدم المؤسسي في إدارة القطاع العقاري، ويعزز من مستويات الشفافية والمساءلة، ويؤسس لسوق منضبط يحترم الأنظمة ويحمي الحقوق. في المجمل، لسنا ازاء قرار إداري عابر، بل نحن أمام تحول بنيوي عميق في السياسة العقارية الوطنية، يُعيد الأرض إلى رسالتها، كمنطلقٍ للعمران، لا مستودعًا للثروة الجامدة، وأداة للتمكين، لا وسيلة للاحتكار. حقًا إنه قرارٌ يؤسس سوقًا عادلة، يُصان فيها الحق، ويستقر بها ميزان العدل. ومن هنا، فإننا في حضرة لحظة تاريخية فارقة تُثبت فيها القيادة أن التنمية ليست مجرد هندسة عمرانية، بل هي إرادة تُتَرجم إلى تشريعات، ورؤية تُفعلها قرارات، وعدالة تصونها سياسات حازمة. هذا هو التحول الوطني في أنبل صوره، من احتكار الأرض إلى تعزيز الحيازة العادلة، وتصحيح ميزان الفضيلة في حياة الناس. وهذه هي “مدينة الرياض” التي تنمو بعدل، وتنهض بتوازن، وتُبنى لأجل المواطن أولًا.