أظنك بحثت عنها.

في زمن متسارع، تتداخل فيه المهام و الاعمال و تشتبك فيه الادوار، أصبح من الصعب على الإنسان أن يجلس دون مهمة و عقله سَاكن، لا يذكره بما يجب أن يقوم به أو بما كان عليه أن يعمل، هذا و إن أكرم الانسان نفسه بالجلوس حرا طليقا دون أن يقيد حواسه في شاشة الجوال مترددا بين مواقع التواصل الاجتماعي،، التي تلتهم انتباهنا و تقضم تركيزنا و تزيحنا عن واقعنا و تقتص من أعمارنا، و مثلما نعرف بأن الحواس بوابة الانتباه وهي واحدة من أهم العمليات العقلية فإذا بها مشرّعة على مدار اليوم لكل فكرة و مشهد و حقيقة و تضليل و رأي و عقيدة دون تمحيص، نصل إلى مراقدنا في نهاية اليوم محملّين بهمومنا و هموم غيرنا و ما نتمنى أن ندركه و ما ادركناه بعد شق الانفس و إلى اين علينا ان نتجه و ماذا يتعين علينا ان نفعل دون ان نبصر اماكننا من اللحظة، و ما بين ايدينا من نعم و بركات، تهتري اللحظة من توهاننا عنها، و تتشوه الذكرى من اجترارنا اياها و تتلاشى قيمة الشي من اعتيادنا عليه، حتى تذبل الأرواح و تبقى خاملة بانتظار شرارة توقظ فيها الحماس، حتى يخيل إليها بأنها تفتقد (السعادة) و من أجل أن تحضل عليها قد تدور الدائرة من جديد بحثًا عنها مما يدفعها للاستهلاك المادي و اللفظي و ربما العاطفي، اندفاع في التواصل مع الاخرين و اندفاع لاثبات الذات و اندفاع في المادة و التواجد و حتى في الغياب! و حتى في المنام لا يسكن الناس.. يفيق من نومه يشتكي فكه من الضغط على الاسنان، أو يشتكي من رأسه أو ارهاق جسده كون عقله مشتتًا و لم يسترخ أو يسترح، اين نستريح؟ و كيف نلتقط فسحتنا الخاصة؟ قد أدّعي المثالية أو أركب الموجه و أقول عندما تكون لك هواية تلوذ بها، ولا أنكر أثر ذلك أو صحّته! لكن نعيش أيام صاخبة و سريعة لديها القدرة على ازاحتك بعيدا عن ما تحب و ما تستمتع به إلى أن تنسى الرابطة بينك و بينه! و لا نوفق دومًا في مجاهدة النفس لتلتزم بما ينفعها، و البعض قد لا يعرف ماهي هوايته فلم يجد الوقت لذلك! لذا فـ الشعور المنشود ليس السعادة! انما السكينة/الطمأنينة، و الفرق بينهما شاسع حيث ان السعادة تتعلق باللذة أو المتعة بطريقة أو أخرى، بينما السكينة ترتبط بالثبات و العمق الداخلي و الرضا و الاستقرار، و مثلما قال افلاطون: “اعظم ثروة هي أن تكون سيد نفسك” و إذا ما قُرئت في هذا الوقت دون سياق قد تؤخذ للتأكيد على أهمية الاستقلال المادي و العاطفي و إلى آخره، بالرغم من أنها جاءت من فلسفة تؤكد على أهمية الإتزان و الإعتدال لتحقيق الراحة و السكينة، و يصعب على الانسان في هذا الوقت أن يعتدل فهو ليس في جهاد مع نفسه و حسب، بل نفسه و الشيطان و المجتمع من حوله و المجتمع من خلف الشاشة! لذا حتى و إن لمست موضع الخطأ قد ينجح في الاعتزال عنه عوضًا عن معالجته مما يجعله في موضعٍ متطرف! متى يهدأ الإنسان الذي يدرك فوضى حياته و يعجز عن ترتيبها؟ ينظر لفكرة الاعتدال و يعجز عن تحقيقها؟ حينما تفتح أبواب الرحمة فينزل الله سكينته علينا بشهره الفضيل، يرحمنا الله من أنفسنا فنصير أقرب لله منها، فكرة الصيام ظاهرًا و باطنًا هي باب عظيم و تدريب يكرمنا الله به شهرا من كل سنة حتى نعتدل، لنستقيم، ثم نطمئن و نسكن. لنلمس الرضا و نستشعر الرحمة و نستلذ ما نأكل و ننتقي كل ما نتعاطى معه و ما نصرف أوقاتنا عليه!  فإذا كان السفر هو بوابة النجاة الوحيدة للهرب من غثى الحياة و فوضاها كما شاع في هذا العصر بأنه اساس و عصب للصحة النفسية فكما قال سينسكا :” السفر يبدل السما، لكنه لا يبدل النفس” ذاتك معك اينما كنت، لكن الله أكبر منها، هو الذي قال في حديثه القدسي ا: “من تقرب إليَّ شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إليَّ ذراعًا، تقربت إليه باعًا، وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة.” و من رحمة الله بنا و من عظيم كرمه أن يتلطف بقلوبنا و أن يشملنا بمعيته إذا ما سعينا إليه، و تلك هي السكينة الحق، أصدقوا مع ذواتكم لتسافر بكم إلى أعماقها، فتتسلحون بها عن صعاب الحياة.