
لا شك أن العنف المنزلي لا يزال أمرا كبيرا حتى في أكثر أنحاء العالم تقدما .عادة ليست هناك قوانين تشريعية إيجابية تدين أي شكل من أشكال التمييز وإساءة استخدام العنف الجسدي أتجاه المرأة لكونها من الأنماط المتجذرة بعمق في الثقافة الذكورية ، وأحياناً لا يتم الإبلاغ عن معظم الحالات لأسباب مختلفة ، وحتى تلك التي تعالجها الشرطة أوالمحاكم التي تتعامل على أنها نوع من الجرائم البسيطة . ومن الافلام التي تناولت تلك القضية وتميزت مؤخرا في كشفها الفيلم الفلبيني «الحكم » ، أول فيلم روائي طويل من تأليف وإخراج المخرج رايموند ريباي جوتيريز البالغ من العمر 27 عاما . تعيش الزوجة جوي (ماكس إيجينمان) في شقة في حي فقير في مانيلا مع زوجها المسيء دانتي (الذي يلعب دوره الراحل كريستوفر كينغ) وابنتهما البالغة من العمر ست سنوات أنجل (جوردين سوان). في إحدى الليالي، يعود دانتي إلى المنزل في حالة سكر شديد وينهال بالضرب على زوجته كما أعتاد . لكن هذه المرة يصيب ألطفلة بالأذي. تحمل الأم جوي أينتها أنجل بين ذراعيها وتهرب إلى أقرب مركز الشرطة من أجل تقديم تقرير ضد زوجها . وجهها مغطى بالدماء وجرح في رأس الطفلة وبعد القيام باللاسعافات الطبية، تقدم الزوجة شكوى ويتولى نظام العدالة زمام الأمور . تجبر جوي على وصف الضرب للشرطة بينما كان دانتي في نفس الغرفة . تكلف والدة الزوج المعتدي محاميا . يحاول القاضي المجهد الذي كاد أن يدفن نفسه بين الأوراق والأفادات الاستماع إلى كلا الجانبين . تضطر الأم والأدعاء العام في أجبار الطفلة ( أنجل ) في الإدلاء بشهادتها . من خلال تدخلات الشرطة وخدمات حماية المرأة، يتم دفع المشاهد إلى ليل العاصمة مانيلا والتجول في شوارعها، إلى منازلها من خلال كاميرارشيقة . ليس هناك شك في أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الزوجة جوي للضرب من زوجها ، ومن المسلم بها أيضا أنها لن تكون الأخيرة، لذلك توجه اتهامات ضد زوجها العنيف وتضعه في السجن، مؤقتا على الأقل، بينما ينتقل الاثنان ( ألأم والطفلة ) إلى المنزل الآمن . وكما هو الحال عادة، المسألة لا تتعلق بالعدالة أو حتى القانون في حد ذاته. لكن مراوغة المحامي وترهيب شهود الزوجة وتأسيس السرد الذي تقف فيه الأدلة وشهادات الشهود ، في حين أن كل شيء يترك إلى حد ما لتفسير القاضي الضعيف ، الى درجة أن الزوجة التي تعرضت للضرب كانت واثقة بأن متابعة القضية ضد زوجها بسبب العنف المنزلي بأنها مضيعة للوقت والمال . إستلهم المخرج جوتيريز حكاية الفيلم من حادثة حصلت من خلال تجربة حياتيه خاصة . بالنسبة لأولئك الذين ليسوا على دراية بالثقافة الفلبينية، يعمل “الحكم” كاتهام ثاقب ومرهق لمؤسسة تتعارض مع سبل عيش المواطنين الذين تسعى إلى مساعدتهم وأنصافهم . ترمز محاكمة جوي (ماكس إيغنمان) ودانتي (كريستوفر كينغ) إلى القضية الاجتماعية للعنف المنزلي في الفلبين في مجملها، ومن وجهة النظر هذه يستخدم جوتيريز نضال إمرأة واحدة كصوت لديموغرافية مضطهدة بشكل يائس. وضمن هذا السياق . يبدأ فيلم الحكم بالمشهد العنيف حين تعرضت جوي (ماكس إيجينمان) للهجوم من قبل زوجها دانتي (كريستوفر كينغ) بينما نشاهد ابنتهما تبكي بعد رؤيتها لأمها وهي تتعرض للضرب وجهها المتورم ، مشهد من القسوة التي لا تطاق تقريبا ومع ذلك فإن الكابوس قد بدأ للتو . ويتبع الفيلم كفاح الأم جوي من أجل العدالة داخل متاهة من البيروقراطية في مؤسسات الدولة . ينجح المخرج الفلبيني “ ريموند ريباي جوتيريز “ في تحقيق التوازن برشاقة بين هذه المشاهد من وحشية العنف المنزلي والشعور العميق بالتعاطف مع المرأة ضحية العنف المنزلي . يتصارع الفيلم مع نظام العدالة وفي كل منعطف ، من الجيران الذين يتجاهلون صرخات الزوجة جوي ويرفضون الشهادة في المحكمة، إلى المحامين الذين يتلاعبون بابنتها ويقحموها في صراعها مع الزوج العنيف ، إلى قوة الشرطة المحلية الذين يتاثرون بسلطة خال الزوج المعتدي الذين يقلبون القضية بجعل الزوج دانتي رجل مؤدب بما فيه الكفاية. وكان في حالة دفاع عن النفس، ويتم التعامل مع الزوجة بالإهمال والازدراء . يعكس الفيلم الوضع اليائس والحالة النفسية للمرأة من ضحايا العنف المنزلي. لحسن الحظ، فإن الخيارات التي يتخذها فيلم “ الحكم “ مرضية وصادقة على حد سواء. ظاهرة العنف المنزلي الصادمة لرايموند ريباي جوتيريز حقيقية لاتشمل الفلبين وحدها بل هي مشكلة نساء العالم . هذه هي القصة المثيرة للاشمئزاز لجوي (ماكس إيجينمان) وابنتها أنجل البالغة من العمر ست سنوات (جوردن سوان) اللتين تعرضا للضرب بوحشية من قبل زوجها دانتي (كريستوفر كينغ)، تمسكت جوي بابنتها ولجأت الى القانون لحمايتها ، لكنها تشعر بالخذلان حتى من العاملين في حماية الأسرة . تحقيق العدالة لايأتي بدون ثمن والامكانية المادية في توكيل محامي لهذا الغرض . وكذالك مواجهتها للفساد والبيروقراطية والمسؤولين غير المبالين على ما يبدو. بسبب عدم وجود شهود لدعم قضيتها، تم إطلاق سراح زوجها مرة أخرى في الشارع ، تبدأ جوي في الشعور بعدم الأمان وأنها وابنتها تتعرضان للتهديد بشكل متزايد من عنف الزوج الذي له تاريخ اجرامي. فيلم “الحٌكم “أكثر إقناعا لأنه يبدو وكأنه فيلم وثائقي ، يعكس كل مشهد تقريبا الخوف من الأماكن المغلقة في مدينة مانيلا المزدحمة مع تسرب الناس من قاعات المحاكم والمستشفيات ومراكز الشرطة والمباني السكنية ، المخرج “رايموند ريباي جوتيريز “ من خلال الانتقال في المشاهد والتصوير السينمائي يكشف العنف المنزلي والبيروقراطية في الفلبين، والعديد من الموضوعات الأخرى . يترجم جوتيريز كل ما سبق، بمساعدة الممثلين بأدائهم الطبيعي جدا. يعد فيلم المخرج رايموند ريباي جوتيريز الأول “ الحكم” دراما قانونية صريحة تضع النظام القانوني الفلبيني في دائرة الضوء . تصوير النظام القضائي الفلبيني وكيف يعامل بعض ضحاياه الأكثر ضعفا أمر مفجع بنفس القدر. بالكاد أنقدت جوي نفسها وابنتها ، وتداوي جروحها وعلاجها في مستشفى محلي، عندما أجبرت بالفعل على مواجهة مهاجمها وجها لوجه، حيث يجلس دانتي المكبل اليدين بشكل عرضي بجانبها. ويتم نقل جوي وأنجل ودانتي إلى مركز الشرطة في الجزء الخلفي من نفس شاحنة الشرطة وجلسوا مرة أخرى بجوار بعضهم البعض ، يحاول ضابط الشرطة الضغط على جوي كي تتصالح مع زوجها . حتى عندما تدلي جوي في إفادتها حول أحداث الليل وتلتقي بالمدعي العام، يجلس دانتي في الخلفية ويدق بأعذاره المثيرة للشفقة. الجيران الذين شهدوا الواقعة لا يفعلون شيئا للمساعدة ويرفضون الإدلاء بشهادتهم لصالح الزوجة جوي . تتحول القصة في تركيزها على الإجراءات القانونية التالية. الطريق إلى العدالة طويل وشاق ويقرر المخرج “جوتيريز “ الغوص عميقا في بيروقراطيتها المتاهية، وتقديمها مع الاهتمام المستمر بالتفاصيل. يتم التقاط كل جلسة استماع في المحكمة والحجج القانونية بدقة بينما تتحول مجريات العدالة ببطء لأداء واجبها. دوافع جوتيريز لمثل هذا النهج هي بلا شك لإعطاء تصوير واضح وواقعي للنظام القانوني وجميع أخطائه . العنف المنزلي وخطورته على الأسرة يشير مصطلح العنف المنزلي الى الممارسات العنيفة التي يقوم احد أفراد المنزل ضد باقي أفراد المنزل ، مثل تعنيف الزوج لزوجته أو الأب لأبنائه ، وقد تكون هذه الممارسات لفظية أو جسدية أو نفسية ، وفي الغالب تكون النساء و الاطفال هم أكثر الضحايا العنف المنزلي . ويمكن الحد من العنف المنزلي بالأدوات القانونية عبر إصلاح القوانين التمييزية وتعزيز حقوق المرأة من خلال تشريع القوانين التي تحمي المراة وباقي أفراد الأسرة .وتحسين إتاحة الفرص والخدمات أمام النساء والفتيات وتعزيز العلاقات الصحية القائمة على الاحترام المتبادل . يدعم أسلوب المخرج الوثائقي، وعمل الكاميرا المحمولة الواقعية في القصة في كشف وحشية الأعتداء على الزوجة بطريقة تبدو حقيقية بشكل بديع . ثم تصوير الإجراءات القانونية التي لا نهاية لها في غرف صغيرة، مليئة بالفوضى والناس، مما يجعل كل شيء يبدو محصورا وضيقا. إنه ليس فعالا بصريا فحسب، بل يساعد أيضا على التأكيد على التوتر والقلق في الوضع برمته ويمنح الفيلم مصداقية . كذالك أداء الممثلين ، وبالتحديد “ كريستوفر كينغ “و “ماكس إيجنمان “ في تجسيد الشخصيات بشكل مبهر. يقوم الممثل “كريستوفر كينغ” (الذي توفي في عام 2019) بدور مذهل كزوج معنف وسكير ، ومن الواضح أنه بذل قصارى جهده في أن يكون غير مرغوب فيه ومكروه قدر الإمكان . ينعكس تقارب هذا العالم الجغرافي في شبكة العلاقات الأسرية التي تدعم كلا الطرفين . بالرغم من كون الزوج العنيف دانتي مدمناً ويتعاطى المخدرات ، لكن لديه عم يعمل ضابطاً الشرطة - من الواضح أنه يعرف ابن أخيه جيدا ، ولكنه يدعمه ويقف الى جانبه ، وكذلك الأم المهيمنة التي لا تظهر سوى القليل من الازدراء لابنها ، لكنها تجمع الأموال لتوظيفه محاميا مشهورأ . من الواضح أن المخرج وهوكاتب الفيلم “جوتيريز “ غاضب من الواقع الاجتماعي ، والوضع الراهن ، الذي يصوره: واحدة من أقوى لحظات الفيلم تأتي في استجواب محكمة دانتي عندما يتم دفعه إلى الاعتراف بأن الحب يعني بالنسبة له “الحق في الأذى “. نجوم “الحكم” الممثلة ماكس إيغنمان، التي فازت بجائزة آسيا والمحيط الهادئ لدورها في هذه الفيلم، وكريستوفر كينغ، يلقي الفيلم في الوقت المناسب نظرة لا تتزعزع على موضوع صعب، غالبا ما يتم تجاهله - الجانب المظلم لعنف الذكور وعواقبه المروعة. تغمرنا هذه البداية في الحياة اليومية لمنطقة فقيرة في ضاحية ماندالويونغ في مانيلا ، وينقل جوها بقوة من خلال العمل السلس للمصور السينمائي جوشوا أ رايلز (عمل رايلز على الأفلام القصيرة السابقة مع المخرج ، وكذلك مع بريلانتي ميندوزا ، شخصية بارزة في عالم السينما الفلبينية كان له تأثير واضح على جوتيريز ). ، جوي (ماكس إيجنمان) على الرغم من أن قصتها ذات الصلة تبدو محلية ، لكن صداها لا يزال يتردد في هذه الأوقات الحالية وتسلط الضوء على الحاجة إلى العمل الجاد فيما يتعلق بالإساءة والتعنيف للنساء في كل مكان من العالم . * كاتب عراقي