شعراء الذكاء

وماذا مع مرور الوقت، لو امتص الذكاء الاصطناعي رحيق المتنبي، والبحتري وفلسفة المعري، وجماليات شوقي، وآخرين؟ ماذا عساه أن يفعل بالشعر؟ قد نقول إن لكل شاعر صوته، ومشاعره، وبصمته، ولونه الفني. وهذا قول لا غبار عليه. لكن، هل نملك الجرأة لنقول إن كل الشعراء في واقعنا المعاصر يملكون هذا التفرد؟ الذكاء الاصطناعي، حتى هذه اللحظة، لا يزال يتلمّس دروب الشعر. لكنه لا يطرق الأبواب وحيدًا؛ إنه يصحب معه مكتبات كاملة، وأزمانًا طافحة بالشعراء والنصوص والبحور. أما العاطفة والاحساس فهل كل الشعراء لديهم الصدق الفني وحرارة العاطفة حين يكتبون؟ وربما يقفز هذا السؤال: لمن سينتصر الشعر في هذا العهد الجديد؟ لأنصار الحداثة الشعرية؟ أم الشعر العامودي؟ أسئلة مشاغبة لكن آن لها أن تُطرح، وأن تُناقش على طاولة الشعر، لا في ظلال التقنية فحسب. قبل عام، كنت أؤمن أن الشعر سيبقى بعيدًا عن متناول الذكاء الاصطناعي. وكتبتُ مقالات في مجلة “اليمامة” عبّرت فيها عن قناعتي تلك. كنت أظن أن الشعراء يغردون من مشاعر لا يمكن أن تُحاكى أو تُبرمج. لكنني ذُهلت حين عرضت على الذكاء نصوصًا لشعراء معاصرين، فعارضها بقصائد لا تقل روعة! نعم، يُخطئ أحيانًا، وتَرتبك معانيه في بعض المواضع، لكن حين يتعامل معه شاعر متمكن، ويوجه مدخلاته بدقة، يُنتج نصًا شعريًا مقنعًا... خلال دقائق. وإليكم هذه المجاراة بين شاعر العربية المتنبي والذكاء الاصطناعي، في محاولة أولى لمعرفة إلى أين وصل هذا “الرفيق الجديد”: بيت المتنبي: إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ رد الذكاء الاصطناعي: وإن تسعى إلى مجدٍ عظيمِ فدعْ عنكَ التواني والهمومِ ما رأيكم؟ وإن لم ترقى إلى روعة شعر المتنبي، فإن رده السريع، وقدرته على المجاراة، أمر مدهش حقًا! ورد الذكاء يحمل المعنى ذاته: أن المجد لا يُنال بالتردد، بل بالعزم وترك الهموم. وعلينا أن ندرك أنه متى ما شارك الذكاء الاصطناعي في إنتاج أي محتوى، فلا بد من نسبته كمشارك، كأن يُقال: “بالتعاون مع الذكاء الاصطناعي (AI)”. لكن يبقى السؤال الأهم: هل سيُولد في زمننا شعراء من الذكاء الاصطناعي؟ وهل سيحظون يومًا بمكانة تشبه مكانة الشعراء الذين كتبوا من وقع التجربة، وحرقة الإحساس؟