قراءة في أداء ممثلي الزافر..

لهجة الجنوب بين الأصالة والتكلف.

يأتي الزافر كنافذة مفتوحة على الجنوب السعودي، حيث تختلط الحكايات بوهج الشمس، وتتردد الأهازيج بين الجبال، وتنساب اللهجة كالماء في مجاري الوديان. الزافر مسلسل تراثي/درامي سعودي عُرض على شاشة التلفزيون السعودية خلال شهر رمضان 1446هـ/2025م يحكي عن عادات وتقاليد وحياة العوائل والأُسر في جنوب السعودية، حيث “يحيى” الذي يعمل مزارع بسيط في أرض أبو جمعان، يجد نفسه وسط صراعات عدة تخلق الفوضى والكراهية. المسلسل من كتابة عثمان جحا، وإخراج سيف الشيخ نجيب، والإخراج الفني للفنان خليل ابو حلتم. رغم زخم “الزافر” البصري إلا أنه يحمل في طياته تفاوتًا في الأداء، كأن بعض الممثلين كانوا أبناء الأرض، بينما وقف آخرون على حوافها، يحاولون فك شيفرة صوتها ونبضها. ثمة ممثلون لم يظهروا كأدوات في يد النص، بل كأنهم خرجوا من صلب الحكاية. راشد الشمراني، على سبيل المثال، بدا وكأن صوته مشبع برائحة الطين، يتحدث لا كممثل يؤدي دورًا، بل كرجل يحمل ذاكرة المكان في نبراته. كذلك، جبران الجبران، الذي كانت كلماته تنبض بحياة غير مصطنعة، وكأنه عاش قصته قبل أن يجسدها، فلم يحتج إلى جهد ليجعل المشاهد يصدّقه. وراشد الورثان أدى دوره بشكل جيد. لكن الملكة الحقيقية لهذا العالم كانت مريم الغامدي، التي لم تكتفِ بإتقان اللهجة، بل جعلتها تتنفس في حوارها، كأنها ترثي زمنًا مضى أو تحذر من مصير قادم. لم يكن أداؤها مجرد نطق سليم، بل كان امتدادًا لحكمة الجدّات وحنان الأمهات وقوة المرأة التي عركتها الحياة. حتى حين تسكت، كانت نظراتها تتحدث، وكأنها تكتب تاريخًا غير مكتوب على شاشة المسلسل. ثمّة ممثلون حاولوا، اقتربوا أحيانًا، وابتعدوا في أحيان أخرى، كمن يسير في أرض ليست مألوفة له تمامًا. أحمد شعيب، على سبيل المثال، التقط نغمة اللهجة، لكنه لم يستطع التحرر من أثر لهجته المعتادة، فبدا صوته أحيانًا وكأنه يحاول اللحاق بالروح الجنوبية دون أن يصل إليها تمامًا. بدور العتيبي، من جهتها، كانت كمن يحفظ الكلمات بشكل صحيح، لكنها لم تتركها تنساب بحرية، وهذا ما جعل حواراتها تبدو كأنها تتبع إيقاعًا محفوظًا لا يأتي من القلب. أما مرزوق الغامدي، فكان مثل مزارع مجتهد يعرف الأرض، لكنه يتردد في كل خطوة، يخشى أن يدوس على شيء لا يراه. في المشاهد الهادئة، كان حضوره طبيعيًا، لكن حين ارتفع إيقاع المشهد، بدا وكأنه يحاول الإمساك باللهجة بدلاً من تركها تتملكه، فأدى إلى أن كلماته تفقد تلقائيتها. ومع ذلك، فقد نجح في بعض اللحظات في فرض نفسه، خاصة عندما كان يشارك مشاهد مع ممثلين أكثر إتقانًا، فيبدو كأنه يجد ضالته بينهم. ثمّة من لم يتمكن من الدخول إلى هذا العالم تمامًا. غادة الملا، مثلاً، بدت وكأنها تتعلم اللهجة أثناء المشهد، تكرر النغمات لكنها لا تعيشها، فتبدو بعض جملها خارج الإيقاع. رها فهد، كذلك، لم يكن أداؤها سيئًا، لكنه لم يكن منسجمًا مع بقية الشخصيات، مما جعل بعض الحوارات تبدو كأنها تجمع أشخاصًا من أماكن متباعدة، رغم أن القصة تفترض العكس. ليس المهم أن تنطق اللهجة صحيحة، بل أن تجعلها تتغلغل في الشخصية باحترافية، تصير امتدادًا لها لا قيدًا عليها. هنا، في الزافر، رأينا من حملوا الصوت الجنوبي كأنه جزء منهم، ومن حملوه كعبء يحاولون التخفف منه. ومع ذلك، لم يكن التفاوت عيبًا معيبًا، بل أحيانًا كان جزءًا من سحر العمل، حيث بدت بعض الشخصيات كأنها تخوض صراعًا بين الانتماء والاغتراب، حتى وإن لم يكن ذلك مقصودًا. وبالمجمل العمل لا يستهان به، والممثلون كان أداءهم لا بأس به، وكما تتفاوت الصخور في قساوتها والطين في ليونته، تفاوت أداء الممثلين في الزافر، فبقيت بعض الأصوات راسخة كجذور الأشجار، بينما وضعت أخرى لها بصمة جديدة.