فرح أبو شليح مديرة متحف مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)..

المتاحف اليوم فضاءات حيوية تحتفل بالذاكرة والثقافة وتشكل هوية المجتمعات

في إطار مشاركة مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) كشريك للمعرض في أسبوع فن الرياض، يقدّم المركز مجموعة فنية متميزة تحت عنوان «المشهد والذاكرة»، مستعرضًا رؤى إبداعية تعكس التفاعل بين الفن والهوية والزمان. وفي هذا الحوار الخاص لمجلة اليمامة، نستضيف فرح أبو شليح، مديرة متحف إثراء، للحديث عن دور المتحف في المشهد الفني السعودي، وأهمية مشاركة إثراء في أسبوع فن الرياض، ورؤيتها لمستقبل المتاحف والفنون البصرية في المملكة. * في البداية، كيف تعكس مشاركة إثراء كشريك عرض في أسبوع فن الرياض، التزام المركز بدعم المشهد الفني السعودي وتعزيز الحوار الثقافي؟ مشاركة مركز إثراء في أسبوع فن الرياض هي جزء من التزامنا المستمر بدعم الفن السعودي وتعزيز الحوار الثقافي بين الفنانين المحليين والدوليين. هذا المعرض هو منصة مثالية للتفاعل مع الجمهور وتقديم أعمال فنية تتناول موضوعات متنوعة مثل الهوية والذاكرة، وهي مواضيع ذات صلة عميقة بتاريخنا وثقافتنا. من خلال تقديم هذه الأعمال، نحن نسهم في بناء جسور ثقافية تعكس تحول المملكة وتنوعها في مختلف المجالات الفنية. كما أن مركز إثراء يشارك في العديد من المبادرات المحلية والدولية على مدار العام لزيادة الإيصال الفني للجمهور بشكل أوسع، مما يعزز من حضور الفن السعودي على الساحة العالمية ويعزز الوعي بالقضايا الثقافية والفنية المعاصرة. * كيف تعكس الأعمال الفنية المشاركة تحت عنوان “المشهد والذاكرة” العلاقة بين الفن والهوية؟ وما الرسالة التي تسعون لإيصالها إلى الجمهور من خلال هذه الأعمال؟ “المشهد والذاكرة” هو معرض يستعرض العلاقة العميقة بين الفن والهوية عبر منظور الذاكرة والمكان. تم اختيار الأعمال الفنية والفنانين بعناية لتتحدث هذه الأعمال عن تلك المواضيع، حيث تعكس كيف أن الذكريات تتشكل وتتحول مع مرور الزمن، وكيف تؤثر الأماكن على فهمنا لذاتنا. المنهجية المتبعة في تنسيق المعرض تركز على استكشاف العلاقة بين التاريخ الشخصي والجماعي، وكيف يمكن للفن أن يكون أداة لإعادة تشكيل هذه الذكريات. الرسالة التي نسعى لإيصالها هي أن الفن لا يعكس فقط الماضي، بل يعيد تشكيله من خلال الذاكرة والهوية، ويكشف كيف تتفاعل هذه الذكريات مع المكان والزمان. الرسائل التي يتناولها المعرض تدعو الجمهور إلى التفاعل مع الأعمال الفنية كوسيلة للتفكير في التاريخ والهوية، مع التأكيد على أن الذاكرة ليست ثابتة بل هي حالة متغيرة ومتجددة تشكل نظرتنا إلى العالم من حولنا. * بصفتك رئيسة لمتحف إثراء، كيف ترين دور المتاحف اليوم في تشكيل الذاكرة البصرية والثقافية للمجتمع؟ المتاحف اليوم فضاءات حيوية تحتفل بالذاكرة والثقافة، وتلعب دورًا محوريًا في تشكيل هوية المجتمعات. هي منصات تتيح للأفراد أن يلتقوا بتاريخهم وتقاليدهم، لتلهمهم وتفتح أمامهم آفاق التفكير النقدي حول كيفية تطورنا كأفراد ومجتمعات من خلال الفن. في إثراء، نسعى لأن نكون نقطة التقاء بين الماضي والحاضر والمستقبل، حيث تتيح معارضنا للزوار أن يختبروا الفن بشكل يثير التساؤلات ويلهمهم للنظر إلى العالم من زاوية جديدة. من خلال هذه التجارب، نبني ذاكرة ثقافية مشتركة تعزز الهوية وتفتح أبوابًا للإبداع والنمو. نحن ملتزمون بدورنا في تشكيل الوعي الجماعي، ودفعنا في إثراء إلى أن نكون جزءًا من هذا المسار الذي يعيد رسم المستقبل بثقافة غنية، وعي عميق، ورؤى ملهمة. * من خلال مسيرتك في إثراء، أشرفتِ على عدد من المعارض المتميزة، مثل عرض أعمال إدفارد مونك وليوناردو دافنشي. كيف تؤثر هذه التجارب على الحراك الفني المحلي، وما مدى تفاعل الجمهور السعودي معها؟ معارض مثل أعمال إدفارد مونك وليوناردو دافنشي كانت لحظات فارقة في إثراء، خصوصًا في وقت كان الفن الدولي لا يزال في مراحل متقدمة من التعريف والتفاعل مع الجمهور السعودي، وكان التفاعل ما يزال في طور البناء. هذه التجارب ساعدتنا على فهم الجمهور السعودي بشكل أعمق، مما أتاح لنا الفرصة لتحسين استراتيجياتنا المستقبلية في تقديم المعارض. قدمنا للزوار فرصة التفاعل مع فنانين عالميين، مما أثر بشكل إيجابي على الحراك الفني المحلي وأدى إلى إثراء مشهدنا الفني. التفاعل كان مذهلاً، والعديد من الزوار عبروا عن تقديرهم العميق لهذه الأعمال الفنية، مما يعكس رغبة الجمهور السعودي في الانفتاح على الفنون العالمية. * عملتِ على إطلاق برنامج جسور إثراء لدعم الفنانين السعوديين دوليًا، كيف ساهم البرنامج في إبراز المواهب السعودية على الساحة العالمية؟، وبرأيك.. ما هي التحديات التي تواجه الفنان السعودي في الوصول إلى المنصات الدولية؟ برنامج جسور إثراء هو إحدى المبادرات المهمة التي ساعدت في إبراز المواهب السعودية على الساحة الدولية. من خلال هذا البرنامج، قدمنا للفنانين السعوديين منصة للعرض والتواصل مع جمهور عالمي، وهو ما يعزز حضورهم في المشهد الفني الدولي. وقد تعزز تأثير هذا البرنامج بشكل أكبر من خلال شراكاتنا مع متاحف ومؤسسات مرموقة عالميًا، حيث أن اختيار الشركاء المناسبين ساهم بشكل كبير في تعزيز الأثر الإيجابي لهذه المبادرة. أما بالنسبة للتحديات، فالفنان السعودي لا يزال يواجه صعوبة في الوصول إلى المنصات الدولية بسبب قلة الفضاءات التي تدعم الفن السعودي بشكل كامل. هناك حاجة ماسة لتطوير المزيد من برامج التعاون الدولي وتعزيز الوعي بالثقافة السعودية وفنها على المستوى العالمي. بفضل دعم الحكومة وبرامج مثل “جسور إثراء”، وكذلك الشراكات القوية مع المؤسسات العالمية، نحن نسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق هذا الهدف وتعزيز حضور الفنان السعودي على الساحة الدولية. * بالنظر إلى خلفيتك الأكاديمية في أنثروبولوجيا المتاحف، كيف تسهم هذه المعرفة في تطوير رؤيتك لمركز إثراء ودوره في القطاع الثقافي والفني؟ خلفيتي الأكاديمية في أنثروبولوجيا المتاحف تمنحني فهماً عميقاً لكيفية تأثير المتاحف على المجتمعات وكيفية استخدامها كمنابر للثقافة والهوية. الأنثروبولوجيا تعلمنا أن المتاحف ليست فقط أماكن لعرض الأشياء، بل هي فضاءات تربط الأفراد بتاريخهم وثقافاتهم. في إثراء، نسعى لتطوير المتحف ليكون نقطة لقاء حية بين الماضي والحاضر، حيث يمكن للجمهور أن يعيد تشكيل فهمه للهوية السعودية من خلال الفن والثقافة. هذه المعرفة الأكاديمية تساعدني في تصميم معارض تفاعلية تتيح للجمهور التفاعل مع الأعمال الفنية بشكل أكثر عمقًا وتفكيرًا في كيف ترتبط هذه الأعمال بالثقافة المحلية والعالمية. ما يهمني هو أنني أسعى لمساعدة الجمهور على إدراك القوة التي تنبع من فهم وجهات النظر المختلفة، مما يعزز قدرتنا على التواصل والتفاعل بشكل أعمق. هذا الفهم لا يسهم فقط في تعزيز علاقتنا بعضنا ببعض، بل يؤثر أيضًا بشكل إيجابي في تشكيل مستقبلنا المشترك. من خلال هذا الوعي، نتمكن من السير قدمًا نحو المستقبل بعقلية متكاملة، تتيح لنا مواجهة التحديات والتحولات بروح من التعاون والترابط. * في ظل التطور السريع للمشهد الفني في المملكة، كيف تقيّمين مستوى التفاعل بين الفنانين المحليين والجمهور؟ وهل هناك فجوة تحتاج إلى ردمها؟ التفاعل بين الفنانين المحليين والجمهور في المملكة في تزايد مستمر، خاصة مع وجود منصات ومراكز ثقافية مثل إثراء. نرى أن هناك رغبة حقيقية من الجمهور السعودي في اكتشاف الأعمال الفنية المحلية والدولية. ولكن، ما زالت هناك فجوة بين بعض الفنانين المحليين والجمهور العام، خصوصًا في مناطق معينة. التحدي يكمن في كيفية جعل الفن أكثر قابلية للوصول، ليس فقط في المدن الكبرى، ولكن أيضًا في المناطق الأخرى. هناك حاجة لمزيد من الفعاليات التي تعزز الحوار المباشر بين الفنانين والجمهور وتساهم في تكوين علاقات أقوى بين الطرفين، وبالتالي زيادة وعي المجتمع بقيمة الفن في حياتنا اليومية. * كان لكِ دور في تقديم أول معرض فني غامر في المملكة يركز على الاستدامة، كيف ترين العلاقة بين الفن والقضايا البيئية؟ وهل هناك خطط لتوسيع هذا النوع من المعارض؟ الفن له دور مهم في توعية الجمهور بالقضايا البيئية، خصوصًا عندما يساهم في بناء علاقة بين الناس وبيئتهم. في إثراء، نحن ندمج التفكير البيئي في تطوير معارضنا. فكل معرض ننشئه يتم تصميمه مع مراعاة الاستدامة البيئية.. لدينا خطط لتوسيع هذا النوع من المعارض في المستقبل، حيث نسعى لاستمرار عرض أعمال فنية تركز على البيئة والاستدامة، كما نهدف إلى تطوير شراكات مع فنانين عالميين ومحليين لإبراز هذه القضايا على منصات أكبر. وفي عام 2023، قدمنا معرض “صافي الصفر”، الذي ركز بشكل خاص على الاستدامة والتغير المناخي، ليكون بمثابة منصة مبتكرة لربط الفن بالقضايا البيئية بطريقة فنية مؤثرة.