كل عام و أعيادنا بخير.

يبقى العيد مناسبة إيمانية خالصة، وإنسانية في أبعادها الخاصة والعامة، يأتي بعد شهر فضيل قوامه التقى و العبادة . طقوس العيد واحدة، فالاستعدادات تسبقه والوقت يسابقه، فكل لحظة في العيد لها شعائرها وشعورها، لبسها و أكلها وحتى تعابيرها . كانت أعيادنا بسيطة بساطة تلك الحياة التي عشناها، لم يكن جيلي يعيش فقرًا مدقعا أو غنى فاحشا، كانت توسطا بين حالتين وهو الستر الذي يكون بين الحاجة الملحة والبذخ الشديد . كانت الحياة تعاش أكثر مما توثق، فلا جوالات ولا تصاوير، كل ما هنالك ذواكر فردية وجمعية، الفرد يعيش اللحظة ويقوم بتسجيلها لتضاف إلى سجلات ذكره وذكرياته، وتتجمع تلك الذكريات لتشكل ذاكرة جمعية للجميع . فيما مضى نادرا ما ترى من يصور العيد ولحظاته، وان كان هناك قلة من نخب المجتمع الذين سبقوا مجتمعاتهم في توثيق تلك اللحظات، والتوثيق يعني كاميرات تصوير إما فوتوغرافية أو كاميرة فيديو، وهذه كانت حكرا وحصرا على الذين تجاوزوا مجتمعاتهم وفرة في المال و التجربة الإنسانية . لا اتذكر في قريتنا من كان يملك كاميرة التصوير الفوتوغرافية،ناهيك عن كاميرة الفيديو ذات التعقيدات التقنية في تحضيرها وحضورها، ومع ذلك ما زالت ذكريات العيد موثقة في ذواكرنا وما زلنا نعيشها حتى اللحظة كجزء مهم من سيرنا الذاتية والمجتمعية في ذلك الزمن الجميل . عيدنا اليوم توثيق وأرشفة،أكثر من كونه مشاعر صادقة تعاش لتحفظ ثم تستذكر، العيد اليوم يختزل في لقطة تصوير عابرة او لحظة تصوير فارقة بين شعورين، أحدهما حب التميز والآخر توثيق هذا الحضور ليشعر به الآخرين قبل أن نشعر به نحن الذين صورناه وجسدناه . ويأتي السوال : لماذا تقنيات التواصل أصبحت تقضم مع كل تطور لها و حضور شيئا من مباهج العيد وأسراره وسروره ؟ الجواب يكمن في ذواتنا التي غيرت و تغيرت، فالعالم اليوم يعيش السرعة في كل شيء، حتى المشاعر الإنسانية نالها من السرعة والتسارع ما نال غيرها من الأشياء، فاليوم تحب وغدا تكره، وبين الحب والكره تتقلب بين مشاعر عديدة كلها تبعدك أيها الإنسان عن لحظات الأنس الحقيقية . كذلك تم تسليع المشاعر الإنسانية وربطها بجودة الحياة، والأخيرة تعني الوفرة المادية الطاغية،في المسكن والمأكل والمشرب والمركب، هذه الوفرة خرجت من أصلها المتمثل في كونها كفاية وكفاءة لصاحبها، لتصبح مدعاة للتفاخر والتجاوز على الآخرين، هنا تذهب التلقائية، المكون الاساس لأي سعادة،ويحل محلها التصنع ومحاولة إبهار الآخرين وجرهم إلى مستنقع مقارنات غير عادلة بالمرة . أعيادنا نالها ما نالها من هذه المقارنات وابتعدت عن المقاربات الإنسانية الجميلة المتمثلة في البساطة وانشراح الصدر والبعد عن المظاهر الخداعة والتمظهر بها عند الفقراء والمحتاجين قبل الأغنياء . وهنا نتساءل من يعيد أعيادنا لنا ومن يستطيع أن يكون هو نفسه في تلك المناسبات الجميلة؟، ولماذا لا نعيشها لانفسنا بدلا من عيشها للأخرين؟، فالإنسان تحت هذه الظروف المشوشة،يصادر مشاعره الحقيقية ويعيش مشاعر مزيفة توثقها لقطة منزوعة من حلاوة العيد وبساطته التي كانت في ماضينا القريب،مشاعر صادقة و ترانيم إنسانية بديعة يشدو بها الصغير ويعيشها الكبير، وكل عام و أعيادنا بخير .