المصلَّى: محاولة لتأصيل الكلمة والمعنى.

المسجد، الجامع، المصلَّى كلماتٍ تُطلق على أماكن صلاة المسلمين متَّجهين إلى قبلتهم الكعبة المشرَّفة في مكة المكرمة. والمسجد هي الكلمة الدَّالة وقد وردت في القرآن الكريم في مواقع عديدة ابتداء بالآية 144 من سورة البقرة في القرآن الكريم: “فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ”. كما وردت الإشارة بتفصيلٍ في الأحاديث النبويَّة الشَّريفة. أمَّا كلمة “الجامع”، والتي أصبحت تُستخدم للدلالة على المسجد الذي تصلَّى فيه الجمعة ويقام فيه بالاعتكاف، فلم تكن سائدةً حتى عهود متأخِّرة، ولم تكن الإشارة تأتي إلى الجامع إلاَّ في إطار إيضاح جامعيَّة المسجد كما في قول الإمام الشافعي في كتاب الأم: “والاعتكاف في المسجد الجامع أحب إلينا”. والقاعدة أنَّ كلَّ جامعٍ مسجد وليس كلَّ مسجدٍ بجامع، وأنَّ كُل مَوْضِعٍ يُتَعَبَّدُ فِيهِ فَهُوَ مَسْجِد. يتميَّز الإسلام بأنَّ الأصل أنَّ الصَّلاة متاحةٌ في كلِّ مكان بنصِّ الحديث الشَّريف “وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا”، ثمَّ بُنيت المساجد بدءًا بمسجدي قباء والمسجد النبوي بالمدينة المنورة، وذلك استجابة للحثِّ الإلهي في الآية 18 من سورة التوبة في القرآن الكريم “إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ..”، وللعديد من الأحاديث النبويَّة التي تحضُّ على بناء المسجد ممجِّدة فضل ذلك وفضل المساجد والصَّلاة فيها. لم تعد كلمة “المُصلَّى” سائدة بالرغم من الإشارة إليها في الآية 125 من سورة البقرة: “واتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى” فلم تُتداول منذ زمنٍ حتى ظهرت في العهود المتأخِّرة ربَّما كبديل لترجمة Prayer Room، غرفة الصَّلاة. والصَّحيح أن كلمة “المصلَّى” التي تستخدم الآن لتعريف المكان الذي تؤدَّى فيه بعض الصلوات الخمس هي مصطلحٌ واردٌ في القرآن الكريم كما سبقت الإشارة، وبشكلٍ أكبر في الأحاديث النبويَّة الشَّريفة. تُطلق كلمة المُصَلَّى في اللغة العربيَّة على المكان المعدِّ للصَّلاةِ وعلى موضع الصَّلاة وعلى ما يُتَّخَذ منْ فراشٍ ونحوِه ليُصلَّى عليه، ويوضح ذلك الحديث الشَّريف “”فإنْ قامَ من مُصَلَّاهُ فجلسَ في المسجدِ..”. وكان ذلك الإطلاق معروفًا حتى قبل بناء المساجد كما في طلب رجالٍ من قريش أن يتَّوقف أبو بكر الصديق رضي الله عنه، عن اتِّخاذ مصلَّى في المسجد الحرام بمكة المكرَّمة إلى غيره في بيته. وتُطلق الكلمة أحيانًا على جزءٍ من مسجدٍ كما في المصلَّى المرواني بالمسجد الأقصى بالقدس، وعلى مكان الصَّلاة في المسجد، وفي أحيانٍ أقلَّ على المسجد نفسه. وتُطلق الكلمة على الموضع الذي تقام فيه صلاةُ العيدَيْنِ وربَّما صَلاَةُ الاسْتِسْقَاءِ وأشهر مصلَّى هو مصلَّى العيد في المدينة المنورة المعروف فيما بعد بمسجد الغمامة (1) والذي كان يشار إليه بالعلميَّة كما في الحديث الشَّريف: “كَانَ رَسُول اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأْضْحَى إِلَى “المُصَلَّى”. وكانت تُصلى فيه أيضًا صلاة الجنازة وتقام الحدود. وهناك مصلَّيات عيدٍ أخرى صلَّى فيها الخلفاء الرَّاشدون. وقد اختلف الفقهاء في أنَّ لمصلَّى العيدين حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الاِعْتِكَافِ وَمُكْثِ الْجُنُبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الأْحْكَامِ، أو عدم ذلك، ورأى البعض أنَّه إن كان المصلَّى مسوَّراً، وفيه معالم المسجد فإنه يأخذ أحكام المسجد. (2، 3) تشتهر مواضع الصَّلاة في البيوت بإطلاق كلمة “المصلَّى” عليها، فقد كان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مصلَّى في بيته، وقد صلَّى في بيت عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، ليتَّخذ عتبان موضعه مُصَلَّى. وورد أنَّه كان من عادة السَّلف أن يتخذوا في بيوتهم أماكن معدَّةٍ للصَّلاة فيها، على أنَّه لا يثبت لهذه المصلَّيات، جمع مصلَّى، شيءٌ من أحكام المساجد. ومع ذلك فقد نبَّه الفقهاء إلى أهمية احترام المصلَّيات والعناية بتنظيفها وتطهيرها وأن تفرَّغ للصَّلاة. وكانت هناك مصلَّياتٌ مؤقَّتة ومن أشهرها عريش النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة بدرٍ الكُبرى، ومصلَّيات غزوة الخندق وأهمها الموضع الذي أقيم عليه مسجد الفتح، ومصلاَّه بذي طوى قرب مكة المكرَّمة. وحين تدعو الحاجة حتى لو عابرًا يظهر “المصلَّى” المؤقَّت العابر، ولعلَّ من أبرز أمثلته الموضع الذي صلَّى فيه الملك عبد العزيز رحمه الله، حين لقائه بالرئيس الأمريكي روزفلت عام 1945م على متن السفينة يو إس إس كوينسي. أصبحت كلمة “المصلَّى” تطلق على المواضع التي تؤدَّى فيها بعض الصَّلوات المفروضة مثل مصلَّيات الدَّوائر الحكوميَّة والمؤسَّسات الخاصَّة ودور التعليم ومحطَّات الوقود والحدائق والملاعب الرِّياضيَّة ومواقع المناسبات العامَّة ومواقع البناء وغيرها. وتعدُّ طبيعة هذه المصلَّيات شبه دائمةٍ بالرَّغم من أنَّه لا تُصلَّى فيها جميع الصَّلوات، ولكنَّه لا يسمح بأيَّة استخداماتٍ أخرى لها، بل وتغلب الإشارة إليها كمساجد. وهناك مصلَّيات أقرب إلى كونها مساجد لديمومة استخدامها للصَّلاة وإن كانت ليست بانتظامٍ لصلاة الجماعة كتلك التي في الفنادق والمطارات والسُّجون. (4) ومن اللطيف أنَّه يطلق على أماكن صلاة النِّساء في المساجد “مصلَّيات، لتحديد خصوصيَّة الاستخدام، وإلاَّ فهذه أجزاءٌ وثيقةٌ من المساجد تسري عليها أحكامها. وهناك نوع من المصلَّيات في بعض الدُّول مخصَّصٍ لغير الصَّلوات الخمس هو مصلَّى الجنائز. يحرص الناس، مع الفسحة في الأرض مسجدًا وطهورًا، (5، 6) على تمييز أماكن الصَّلاة حتى في الصَّحراء أو بالقرب من مسارات الطرق للعابرين والرُّعاة والرُّحَّل. ويقوم متطوِّعون بوضع علاماتٍ بالأحجار عادةً ما تحيط مساحةً محدودةً وترسم ما يشبه المحراب لتعليم اتِّجاه القِبلة. ومع أنَّها لصلاة العابرين فإنَّ أغلب النَّاس يتعاملون معها بتقدير واحترام المساجد معتبرينها من بيوت الله. (7) الصَّلاة هي الرُّكن الثَّاني من أركان الإسلام الخمسة، وهي عمود الإسلام كما ورد في الحديث النَّبويِّ الشريف. ولهذا فستظلُّ أماكن أدائها محلَّ اهتمامٍ بالغ. وهناك نموذجٌ فريدٌ للمصلَّى هو المصلَّى المتنقِّل وهو ظهور الإبل والخيل، ويجيز الفقهاء أداء صلاة النَّافلة فقط عليها. ومع تطوُّر وسائل النَّقل الحديثة ظهرت نماذج جديدة من المصلَّيات يتم تخصيصها في السُّفن والقطارات وحتى في الطَّائرات (8، 9). كما تم ابتكار نماذج من المصلَّيات المتنقِّلة والمؤقَّتة تتفاوت ما بين حاوية لسجادة الصَّلاة يجرى نشرها عند الحاجة، إلى سيارةٍ مجهَّزةٍ بكلِّ ما يلزم لأداء الصلوات. (10، 11) المسجد، الجامع، والمصلَّى، ستبقى ما بقيت الصَّلاة.. والمصلُّون. الهوامش (1)مسجد المصلَّى(الغمامة). (2)مصلَّى العيد بالرياض عام 1956م- سام واجنار (3)مصلَّى العيد بجدة في الأربعينات الميلادية- بوب لاندري (4)مصلَّى فندق الميريديان بالمدينة المنورة (5)الملك عبد العزيز يصلِّي في الصحراء، فيلبي (6)رجالٌ يؤدون صلاة الظهر فيما أسماه فيلبي وادي الشجرة- iwm (7)مصلَّى في صحراء- الإنترنت (8)مصلَّى على طائرة للخطوط السعودية- الإنترنت (9)مصلَّى على قطار الرياض- الدمام- الإنترنت (10)نموذج لمصلَّى منزلي- الإنترنت (11)مصلَّى مؤقت، في شارع التحلية بالرياض- ياسر الششتاوي