المقامة الكورونية.

حكى علاء بن رحبان: في زمن كوفيد، والناس في حجر وتقييد، جاء بشير الانطلاق، من عِقال الحظر والإغلاق؛ فسالت دروب بقدرها من البشر، بعدما نام ساهرها وعفا الأثر. فخرجت مع الخارجين، حامدين الله رب العالمين، وبينما أنا في السوق أتنسّم الحرية، إذا بشاب يخطب في الناس وعليه سمت الهُويّة :أيها الناس، الأمر جد والخطر يلوح، فلا تمروا علي مرور قوم نوح، وإني متى أضع الكِمامة تعرفوني، فألقوا إلي السمع وأجيبوني. قيل: ما وراءك؟ قال: الأوراقَ؛ فإنها مصدر العدوى، وأساس ما أنتم فيه من البلوى. قال أحدهم: أي أوراق؟ قال:  التي تشترون بها وما تشترون إلا موتا زؤاما، وتبيعون وما تبيعون إلا عافية وسلاما. فجهر أحدهم: أصبِح ليل، وإلا لك الويل. فأجاب: عملتكم هي بريد الوباء، فأخرجوا أيديكم من جيوبكم بيضاء، خصوصا من استرد باقيا من هذا السوق، فكله موبوء مُفَيْرَس ليس به وثوق. وما تنبذونه في حجري سيذهب للفقراء، فهم إن لم يموتوا بها سيحيون حينا سعداء. فمد إليه رجل برغِيبة، وقال: هذا كافيك دهرا مع الضريبة، وإذا سألت فلا تسأل بالتواء، فيكفي ما الناس فيه حيرى والقلوب في اكتواء. قال : لو أخذت أموالكم كلها لكانت يدي في علاء، ولكنت مشتريا بقاءكم بباهظ الفداء. وقد تعلمون أنه لا أمان إلا بمدى، فمن صرف وراء ذلك ريالا فهو الردى. قيل: فأين الإيداع؟ أليس حلا به إقناع؟ قال: إذن، تُعْدون الأبرياء غيركم، فاحتسبوها عند ربكم فلن يَتِرَكم. وقد تعلمون أن دائرة الوباء تدور، فإذا خرج من عندكم أتظنون أن لن يحور؟! فقطَّع أحدهم ضحكة كأنها عطسة مصاب ،  فتراجع القوم خشية أن يصيروا إلى ذهاب، قال: هل على رؤوس الفقراء ريشة أيها الفطن الفهيم، حتى لا يكون عليهم ما علينا من البلاء والخطب الجسيم؟! فرد:وهل يجدون النقود مثلكم حتى يتداولوها صباح مساء؟ وهل غاب عنك أن لهم مناعة من السماء؟ فالجوع يكمّمهم ويعقم أيديهم بغَسولِه، ويحصرُهم في محيط مانعا غيرهم من وُصولِه. ثم إنه اجتمع له من بعضهم مال كأنه كنز قارون، فأَوعاه ومضى مرددا: ((والذين ينفقون...)). قال علاء بن رحبان:  وبعد زمن رأيت رجلا يعبئ عربته من الماركات ، فعرفت أنه صاحبنا في لحن القول والحركات، وإذا به يدفع الحساب بالنقد، ويلعق أصابعه عند العدّ. فتبعته حتى مواقف السيارات ، ولاحقته بصوتي بين المسارات: لا يكوننّ ما بيديك من أموال الذين تصدقوا، فأجابني وهو يُغِذّ السير : والذين لا يتبعون ما أنفقوا، ثم ألم يدلك منطقي على الفقر، فأنا أديب أريب أصوغ الشعر والنثر، وقد قالوا في فائت الأمثال: أفقر من أديب، فاذهب لطِيّتِك ولا تثريب. وإذا بسيارة تحول بيننا كبارق، فصار بخطفتها فراقَ غيرِ وامق.