فجرُ العزم

هُنا... حيثُ كانتْ حروفُ المساءِ تُضيءُ العيونَ الذَّبُولَة وتَحملُ وجهي إلى حيثُ لا أبتغي، حيثُ ترتجفُ الأرضُ تحتَ الهجيرْ وتُعلنُ للعابرينَ احتضارَ الهدى... كنتُ وحدي... أسيرُ إلى حُلمِ طفلٍ يُشاكسُ غيمَ الظنونِ، ويحلُمُ أن يفتحَ البحرَ، أن يُشعلَ الشمسَ في راحتيهِ ويهتفَ: هذا يقينُ الطفولةِ فوقَ الشرودِ العتيقِ وهذا الصباحُ انتصارٌ لأشلاءِ ذاكَ السَّرابِ. وقد قال لي والدي ذاتَ يومٍ: «سنمضي... إلى موطنٍ لا تُباعُ المساحاتُ فيهِ، ولا يُكسَرُ الحُلمُ تحتَ السِّياطِ، سنمضي... كما انسلَّ نورُ الحقيقةِ من فجوةِ العتمةِ البائسةْ». فتحتُ يدي، رأيتُ الحجارةَ تمضي خفافًا إلى جُرحِها، ورأيتُ القلاعَ التي شيدت من رمادِ الذين أرادوا انتصارَ العهودِ... فخابوا. ولكنَّني ذاتَ فجرٍ... سمعتُ النداءَ يَشقُّ الأسى في سماءِ الدُّجى، يرُدُّ إلى الصمتِ كُفرَ الجحودِ، يُنادي: «هنا يبدأَ الضوءُ، هنا قامتِ العاصفةْ، فلا يَجهلُ الحُرُّ دربَ النجومِ، ولا يَنسجُ الضوءَ إلا الذي أشرقت في يديه الحياةْ». ويأتيك عبدُ العزيزِ... وكانت يداه تُغطّي الجِراحَ، وتنسُجُ في صفحةِ المُقبلينَ الرِّيَاحَ. أتى ثم أشرقت الأرض نورًا ليخضرَّ وجهُ الرؤى. فجاءوا... جِبالًا تُشَقُّ العواصفُ من حُلمِهِمْ، رافعينَ إلى الشمس هذا الوطن. ويُقبِلُ سلمانُ يمشي على هَدْيِ عبدِ العزيزَ، يُطوِّقُ بالعدلِ أكتافَ وقتِ الزمانْ، ويبني على جبلِ المجدِ صرحَ الرؤى ويُشعلُ فينا سراجَ الأمانْ. فذقناه: «عهدُ الوفاء ابتدأ»، وسرنا على خُطْوِ سلماننا، وفي الكفِّ عزمٌ، وفي العينِ وعدْ. وجاءَ الأميرُ الذي صفق المجدَ في راحتيه.. وسِرْنا على إثرِ ضوءٍ يقودُ الطموحَ إلى قمة لم تطأها الخُطى... هو ابنُ الرؤى... خطَّ في الأفقِ نَفحَ الحكايا الجميلةْ، يُطوِّقُ بالحلمِ وجْهَ البلادِ، ويمضي... كأنَّ الزمانَ اتّسعْ ليشهدَ أنَّ الطموحَ ارتفعْ، وأنَّ الأميرَ الذي بايعَتهُ القلوبْ تجمَّعَ فيهِ السنا. فيا موطنًا... كلُّ أرضٍ تُناديك، والشمسُ تشهدُ أنَّ الذينَ اعتلَوا هامةِ المستحيلْ، أقاموا على قمَّةِ المجدِ عرشَ الأصيلْ.