في وداع مُرشد..

مؤرخ الذاكرة الشفوية.

أحمد أمين مُرشد، مؤرخ وباحث مديني، وصاحب سلسلة كتاب “طيبة وذكريات الأحبة” بأجزائه المتعددة، إلى جانب مصنفات أخرى. رحل في الـ20 من رمضان 1446هـ، الموافق 20 مارس 2025م. لن أعرّف بمؤلفاته التي نظمها خيط عنوانه “المدينة المنورة”، ولا بمتحفه الثري بصوره ومقتنياته، والذي جمعه بكدّه وعرق جبينه على امتداد أكثر من نصف قرن، منذ أن كان شابًا يجوب حارات المدينة ومعالمها حاملًا كاميرته، يوثق ويسجل. حديثي، وقد رحل أبو صلاح، ينصبّ على الركائز الأساسية في تجربته التوثيقية، وأين تكمن أهميتها؟ وقد بدا لافتًا تأثير مُرشد على بعض الباحثين الذين جاؤوا بعده من الشباب، بل وحتى بعض معاصريه. مُرشد وضع “السقالة” القاعدة الأساسية للتوثيق الشفوي في تاريخ المدينة المنورة المعاصر، عبر كتبه التي باتت متاحة للجميع. وكان صاحب “الرواية الشفوية الأولى” في عدد من القضايا المرتبطة بتاريخ المدينة الحديث. ويرى الأديب نايف فلاح، عضو مجلس إدارة نادي المدينة المنورة الأدبي، أن ما قام به مُرشد في التوثيق الاجتماعي يُجسد “كيف تنتصر الصحافة”، إذ انطلق من خلفيته الصحفية ليطرق أبوابًا واسعة من البيوت المدينية، ويوثق للأسر، ليصبح لديه أقدم الترجمات لشخصيات كادت أن تُطوى من الذاكرة، ولم يترجم لها أحد سواه. ويصفه فلاح بأنه “من أهم الكتاب الذين رصدوا صورة المجتمع المديني في العصر الحديث، ويتجلى ذلك في رصده للحركة الاجتماعية والرياضية وجانب من الحركة الفنية”. كما تحدّث عن علاقته بالأديب الشاعر حسن مصطفى صيرفي، حين كان مُرشد يحمل مسجله الصغير ويسجل بعضًا من ذكرياته. كان أحمد أمين مُرشد حاضرًا بعينه التي ترصد، وأذنه التي تنصت لكبار السن من رجالات المدينة، يستمع إلى أحاديثهم ويسجلها بدقة واهتمام. وفي كل لقاء أو صورة أو تسجيل، كان يضيف لبنة جديدة في ذاكرة المدينة، نابضة بما سمعه وعاشه ودوّنه. لا أريد أن يكون مقالي رثائيًا، فالموت حق، وكلنا إلى رب رحيم راحلون، وإن كان الفقد صعبًا وموجعًا، خصوصًا على قلوب أبنائه ومحبيه. فالإنسان لا يختار لحظة رحيله. وقد رحل أبو صلاح، رحمه الله، في مستهل العشر الأواخر من رمضان، وما لها من فضل، لكن الإنسان يمكنه أن يترك أثرًا حسنًا في مسيرته، والمؤكد أن مُرشد فعل ذلك، وترك إرثًا وثائقيًا وإنسانيًا يستحق التأمل.