الفيصل في عددها الجديد:

تحقيق التراث العربي.. حفظ الهوية ونقل المعارف.

اليمامة ــ خاص أصدرت مجلة الفيصل عددها الجديد (581 - 582) لشهري شعبان - رمضان 1446هـ/ مارس - إبريل 2025م، مستمرةً في تقديم محتوى ثقافي ومعرفي غني يعكس نبض الفكر العربي وتفاعله مع القضايا المعاصرة. يأتي هذا العدد محمَّلًا بموضوعات ثرية تسلط الضوء على أحد المحاور الحيوية في المشهد الثقافي العربي، وهو تحقيق التراث العربي ودوره في حفظ الهوية ونقل المعارف. في ظل الاهتمام المتزايد بإحياء النصوص التراثية وإعادة قراءتها ضمن سياقات جديدة، تسعى المجلة إلى تقديم رؤية متعمقة حول هذه المسألة من خلال مقاربات بحثية ومقالات فكرية كتبها نخبة من الباحثين والمختصين. ملف العدد: التراث والهوية من خلال مجموعة من الدراسات والتحليلات، يرصد ملف العدد دور المؤسسات العلمية والمكتبات الكبرى في حفظ المخطوطات، وجهود الباحثين في توثيق النصوص وتصحيحها، ويناقش أهمية تحقيق هذا التراث ليس بوصفه عملًا أكاديميًّا فحسب، وإنما بوصفه وسيلة لفهم التحولات الثقافية والحضارية التي شهدتها الأمة العربية عبر تاريخها الطويل. ويكشف الملف كيف يشكل تحقيق التراث العربي أحد أهم الجسور التي تربط الحاضر بالماضي؛ إذ يعكس تطور الفكر العربي عبر العصور، ويكشف عن عمق الإسهامات العلمية والمعرفية التي تركها العلماء العرب والمسلمون. ويتناول الملف الجهود التي بُذلت للحفاظ على المخطوطات، والتحديات التي تواجه المحققين في دراسة النصوص التراثية من حيث تعقيد اللغة، وتعدد النسخ، وندرة المصادر الأصلية. ويتطرق الملف إلى العلاقة بين التراث العربي والغرب، مسلطًا الضوء على استقبال الجامعات والمؤسسات البحثية الغربية للكتب العربية المحققة، ومدى تأثير ذلك في الدراسات الاستشراقية والفكرية. وفي السياق ذاته، يناقش العدد التراث العلمي العربي ومجهودات تحقيقه، عبر رصد الجهود المبذولة لإحياء النصوص العلمية القديمة وإتاحتها للباحثين، مسلطًا الضوء على كيفية تعامل المؤسسات البحثية مع هذا التراث، ومدى قدرته على الصمود في ظل التطورات التقنية الحديثة. أبرز القضايا لم يقتصر العدد الجديد من الفيصل على ملف التحقيقات التراثية، بل قدم مجموعة متنوعة من الموضوعات الفكرية والثقافية التي تعكس تنوع الطرح وتعدد الرؤى. يبرز من بين هذه القضايا البحث في العلاقة بين الطعام والخطاب، وكيف يؤثر الغذاء في تشكيل اللغة والتفاعل الثقافي، في مقاربة غير تقليدية تسلط الضوء على بعد جديد في الدراسات الأنثروبولوجية. وفي مجال الأدب، فتحت المجلة نافذة على الأيديولوجيا النسوية في سرد الكاتبات الروسيات، حيث تقدم قراءة تحليلية للأدب النسوي الروسي الحديث، ودوره في إعادة صياغة التصورات المجتمعية حول المرأة والكتابة. ويتناول العدد سؤالًا إشكاليًّا حول الفن في الفراغات العامة، متتبعًا القصص التي يرويها الإبداع الفني حين يتجلى في المساحات المفتوحة، وكيف يتحول إلى وسيلة للتفاعل البصري والثقافي مع الجمهور. قضايا فكرية وأدبية أخرى لم تغفل الفيصل في عددها الجديد طرح قضايا فكرية وثقافية أخرى، حيث خصصت مساحات لعرض تحولات المشهد الثقافي العربي والعالمي. في هذا السياق، يناقش العدد شهادات حول شذرات عن الموت والحياة في الأدب والكتابة، حيث تقدم الكاتبة ليانة بدر تأملاتها حول العلاقة بين الإبداع الأدبي وتجربة الحياة والموت. وفي قسم المقالات، يطرح فيصل دراج قراءة تحليلية حول شخصية روبنسون كروزو، عادًّا إياها تجسيدًا للمهارة والقدرة على البقاء. ويضم العدد مقالات تناقش قضايا الفلسفة واللغة، مثل المركزية الصوتية بين الفلسفة والعلوم الإنسانية بقلم علي بلجراف، والقراءة النقدية بحثًا عن الذات بقلم لؤي حمزة عباس. أبرز كُتّاب العدد تميز العدد الجديد بمشاركة مجموعة من الأسماء اللامعة في عالم البحث والتأليف، ممن أَثْرَوْا المحتوى الفكري بأفكارهم وتحليلاتهم العميقة. في مقدمتهم د. طاهرة قطب الدين، التي تقدم رؤية شاملة حول كيفية استقبال الغرب للكتب العربية المحققة، وتأثير هذا التفاعل في قراءة التراث العربي في الدوائر الأكاديمية. ويشارك الباحث عبدالله يوسف الغنيم في تقديم دراسة معمقة حول التراث العلمي العربي، مستعرضًا محطات رئيسة في تحقيق المخطوطات العلمية وجهود الباحثين في هذا المضمار. ومن بين المساهمين أيضًا محمد العمارتي، الذي يتناول بالتحليل جهود العلماء المغاربة في تحقيق المخطوط الأندلسي، كاشفًا عن الدور الرائد الذي أدّاه المغرب في صيانة الإرث المعرفي للأندلس. وفي السياق ذاته، تستعرض هند العيسى جانبًا مهمًّا من القضايا البحثية المتعلقة بالمرأة، عبر مقال يناقش دور الباحثات السعوديات في تحقيق التراث الإسلامي، وسبل تعزيز حضورهن في هذا المجال. يأتي هذا العدد من الفيصل ليؤكد مرة أخرى مكانةَ المجلةِ بوصفها منصةً معرفيةً تواكب القضايا الفكرية الكبرى، وتفتح المجال للحوار حول أبرز الأسئلة الثقافية الراهنة. فبفضل تنوع موضوعاته وثراء محتواه، يقدم العدد الجديد رحلة فكرية ممتعة تجمع بين عمق الطرح وسلاسة العرض، وهو ما يجعله إضافة نوعية إلى المكتبة الثقافية العربية. نصوص يحتفي العدد الجديد أيضاً بمجموعة من النصوص الأدبية التي تجمع بين التنوع الأسلوبي والطرح العميق، حيث تتنقل بين السرد الواقعي والرمزي، وتفتح نوافذ على تجارب إنسانية مختلفة. من بين هذه النصوص “الرجل الشجرة” للكاتب يوسف فاضل، حيث تتشابك الطبيعة والإنسان في رؤية فلسفية آسرة، و”المصبنة الأدبية” لأحمد المديني، الذي يعيد تشكيل المشهد الحياتي في قالب سردي متقن. أما سعيد منتسب، فيقدم نصًّا يحمل بُعدًا غرائبيًّا بعنوان: “تمساح جوزيه أغوالوسا”، بينما تأخذنا “حكاية رجل سرق جميع ساعات العالم حتى لا تشيخ حبيبته” لمهدي أشرفي (بترجمة آمال أريحي) في رحلة شاعرية تتلاعب بالزمن والحب في آنٍ واحد. وتختم الجوهرة الغيلان هذه المجموعة بقصتها “غرفة المعيشة”، التي تلتقط لحظة حياتية عميقة بتكثيف سرديّ يبرز حساسية التفاصيل اليومية.