
أهداني الصديق يعرب خياط كتاباً صغير الحجم كبير القيمة والقدر بعنوان (طريق معملي بشغف) للأستاذة الدكتورة مها محمد عمر خياط، من إصدارات مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع ط1، 1425هـ 2024م بـ 130 صفحة. ما إن قرأت مقدمة الدكتور حسين نجار حتى استهواني الاستمرار بقراءته حتى النهاية. أهدت كتابها إلى والديها رغم رحيلهم وإلى زوجها وأولادها... ((أهدي حروفي مع حبي فلا شيء يصقل سطوع مرآة أرواحنا فنرى ذواتنا والموجودات حولنا بوضوح مثل الحب وشغفه)). مها. أشاد النجار بوالدها الذي أخذ بيدها وشجعها على القراءة المبكرة.. وقال: ((ان هذا الكتاب يضع بين أيدينا ملامح الانطلاق المتكاملة لعالمتنا الفاضلة، نحو المستقبل..)) وقال الدكتور محمد سمسم في مقدمة أخرى: ((الدكتورة مها محمد خياط. إحدى الرائدات المتميزات، تميزت في مجال الفيزياء على مستوى المملكة والعالم، تشاركنا في هذا الكتاب رحلتها العلمية والمهنية، منذ طفولتها في مكة المكرمة، مروراً بحصولها على الشهادات العليا من أرقى الجامعات ثم إسهاماتها البحثية والإدارية في محطات متنوعة..)). وقالت في مقدمتها: ((لقد صغت أحلامي في قصاصات ورق ونسيتها، فحفظها لي القدر ووصلت لمحطات أكثر روعة من التي أردتها..)). قالت إنها ولدت بمدينة الطائف.. وما زالت شغوفة بالحياة، متحمسة لمعرفة تفاصيلها والمشاركة فيها.. رغم أنها كانت في صغرها تجري وراء القطط وتعقد صداقات معها وتأخذها للمنزل. وقالت: ((كان والدي أول من لقنني عملياً أن الكتاب هو مصدر المعرفة، وتقبل الرؤى المختلفة، والارتقاء بالفكر والسلوك)). وقالت: ((ان القراءة هي نافذة العبور للماضي.. ومنظار المستقبل.. وواقع اللحظة.. وفكرت وهي تشاهد أمهات الكتب في مكتبة والدها، أي مؤلفي الكتب ويرتصون بجوار بعض على أرفف مكتبة والدي مع اختلاف هؤلاء الكتاب في الجنسية والمذهب الفكري والديني ونحن نتحارب بعد تبني أفكار هؤلاء المؤلفين)). قالت إنها بدأت تحترم الكتب كأحد أهم القيم التي غرسها والدها.. فهو لا يتدخل في اختياراتها الفكرية: ((حرية الفكر عشتها عملياً بكل تفاصيلها فأخذت طريق الحق بحب واقتناع، واعتنقت الفضيلة والحرية في رداء واحد، تجملت وافتخرت بارتدائه)). وقد تعلمت كيف تختار صديقها من الكتب (فلا تقلق عند إساءة الاختيار يمكنك ترك الكتاب على الرف في حال لم يحدث بينكما توافق). وقد حفزها والدها لتحقيق النجاح وقال: (ما يستطيعه الرجل تستطيعه المرأة). كانت محتارة في اختياراتها مستقبلاً بين الطب أو التدريس وهي في الثانوية، ووالدها يحببها بالطب أسوة بعمها حسن المتوفى.. ولكنها اختارت الفيزياء. ومن الجمل الجميلة التي تصادفنا في كتابها الصغير الغني أنه تأكد لها يومها (.. أن الحلم ليس هو ما نراه في نومنا، وإنما الحلم هو ما يمنعنا من النوم ويحفزنا إلى العمل) ص35. تغلب عليها حب الفيزياء على رغبة والدها بدراسة الطب، فتميزت به، فقالت: ((ففي معامل الفيزياء كان وقتي الذي أنتظره في مشروع منفصل في مادة الكهرباء.. وكأني أرسم طريقي في مجال الطاقة، وبدأت أحلم وأرسم مستقبلاً لا أعرفه.. بعد التخرج – من الثانوية وفي الجامعة بدأت أحب الفيزياء، في مادة فيزياء الجوامد.. ولأول مرة بدأت أمارس الفهم العميق، ومناقشة عقلي، ومحاولة إقناعه.. وجاء التخرج ووقع اختياري على تقييم وتنفيذ قدرة تجارب معملية ...)) ص36. وبعد البكالوريوس ابتعثت لجامعة كامبردج ببريطانيا للماجستير، وكانت مشرفتها ((غاية في الجمال والإيجابية تغطي سمات وجهها السعادة. تأتي في الصباح تحمل زهور الفل مشرقة بابتسامة لا أنساها، فعندما نمارس ما نحب نكون سعداء)) ص37. وقالت: ((الفيزياء تعني الفلسفة، وأنا أهوى عمق التفكير والحوار المبني على السرد والتواصل المنطقي.. وناقشت رسالة الماجستير واحتفل بي زوجي ووالدي الذي تسيَّد الحفل المرموق بحضور أعمامي وإخوتي وعائلاتنا وبحضور ضيوف الشرف أساتذتي، ثم بعد الماجستير، تابعت مسيرتها.. علم وعمل ومنجزات وعلاقات هنا وهناك وصولاً لصياغة مقترح الدكتوراه. بالجامعة في معامل (كافنديش) الشهيرة بمؤسسي علم الفيزياء، وفائزي جائزة نوبل.. ثم لاحقاً عملت باحثة مشاركة في شركة (أي بي أم) في مجال الخلايا الشمسية في نيويورك، فعرضوا عليها تمديدا للعمل لديهم وأغروها. ولكنها رفضت لرغبتها في العودة إلى الوطن. قالت إنها سلمت بحثها للدكتوراه بعد عامين وتسعة أشهر.. وهي حامل بتوأمين.. وقالت: ((اليوم أنا أحيا اللحظة، وأحمد الله، نشرت أبحاثاً في مجلات مرموقة، وذات قيمة اقتصادية وشاركت في تأليف كتب مهمة وقدمت محاضرات علمية، كان لها أثرها الإيجابي في بناء كفاءات، وأسست إدارات ومجموعات بحثية تعمل بكفاءة عالية، شهد لها الجميع.. )) ص50. وقالت إن شهادة الدكتوراه ليست هي آخر خطوة علمياً، وإنما هي بدون مبالغة هي أول خطوة في طريق العمل العلمي. وقالت: ((كان عملي في الخارج سلسلة نجاح، وتلقيت عروض الاستقرار خارج وطني.. هناك وسهلت لي الإجراءات القانونية لذلك، لكن لم يكن هذا ممكناً لاعتبارات أسرية.. وقالت إنها عاشت لينة الجانب، سليمة الصدر، لا تدخل في جدل، ولا تشارك في مراء.. وجعلت ما بينها وبين الناس المجاملة والمساهمة والود.. فهي تسقط الماضي من حساب الحاضر فور انقطاعه لتكسب الصحة والنجاح والأمن. وحققت الأستاذية في الفيزياء وقالت: ((أكون اقتربت من مرتبة مريحة جداً لي علمياً، الاستمرار بمتابعة النشر وتقديم الأوراق العلمية في مجال أعتبر فيه مرجعاً..)) ص80. وقالت عن تعلقها بعمها عبدالله عمر خياط- رئيس تحرير عكاظ سابقاً- فبعد وفاة والدها كانت ترجع له ليرشدها ويعلمها.. فتألمت لرحيله في 24/10/2018م. رحمه الله. سيرتها العلمية باختصار: أطلق عليها بالغرب (المرأة المسلمة القدوة) درست بقسم الفيزياء في جامعة أم القرى بمكة المكرمة. حصلت على البكالوريوس ثم الماجستير برسالة عنوانها (دراسة الانتقالات الالكترونية لأحد أنواع الزجاج). ابتعثت من قبل أم القرى إلى جامعة كامبرديج في بريطانيا. حصلت على الدكتوراة في أقل من ثلاث سنوات بعنوان (دراسة التحول الطوري للمواد شبه موصلة عند التأثير بضغوط عالية باستخدام طريقة الضغط النانوي) كأول دكتورة ذات جنسية سعودية في قسم الفيزياء. واصلت بحوثها واستمرت في جامعة كامبردج في فصل الصيف. في عام 1429هـ سافرت مها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بهدف العمل في معامل واتسون التابعة لشركة (أي بي إم) ضمن برنامج التميز لتقنية النانو بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية مدة سنتين فتمكنت من تحقيق أربع براءات اختراع في مجال الخلايا الشمسية باستخدام الأسلاك النانوية والخلايا الشمسية المرنة، وقد تم تسجيل ثلاث منها بالولايات المتحدة. الاختراع الأول: يعنى باستخدام التفاعل الكيميائي في مدى النانو متر للعناصر النشطة والمحفزة لنمو الأسلاك النانوية. الاختراع الثاني: هو تطبيق لفكرة الاختراع الأول في زيادة قوة تميز الميكروسكوب القوة بطاقة إنتاجية. الاختراع الثالث: يتمثل في طريقة جديدة للحصول على شرائح رقيقة مرنة من المادة عند درجات الحرارة المنخفضة جداً. وقد تمكنت من خلال الاختراع الأول من الحصول على الميدالية الذهبية في معرض جنيف الدولي الأربعين العالمي الخاص بالمخترعين. وقالت في الختام: (الحياة رحلة سفر، كما يقولون وهي لي سفر دائم، أنتقل من هنا لهناك، أعيش لقاءً وما أكاد أنعم به حتى أجمع حقائبي للسفر، بيتي في مكة، وأعمل الآن لعدة سنوات في الرياض، أنتقل بصورة دورية بين مطار الملك عبدالعزيز بجدة ومطار الملك خالد في الرياض، وبين هذه الرحلات سفرات أخرى، فتختلط في ذهني المطارات، وربما أيضاً تختلط صور البشر مع صور الأماكن، أحب أي مكان أظنه يشهد لي عند ربي أني سجدت وصليت فيه، لكني لا أحب حقائب السفر..). تلك مقتطفات من سيرة ومسيرة عالمة فاضلة مكافحة اطلق عليها بالغرب (المسلمة القدوة) تحية وتقدير.