أوجه الصمت.

قد يُعرّف الصمت بأنه الامتناع عن الكلام، لكنه في حقيقته حالة طبيعية. وفي علم النفس، هو أداة تواصل غير لفظية. لكن، هل الصمت علامة على الرضا؟ للصمت أوجه عدة، ليس من بينها الرضا؛ فالراضي محفِّز، داعم، مشجِّع، مقبل، معطاء، ومتواجد! ومن بين أوجه الصمت: الغياب—الغياب عن اللحظة، الذي قد يكون نابعًا من غياب عن الوجود، أو انفصال عن العاطفة، أو قلقٍ متفجِّر لا علاقة له باللحظة الراهنة. وقد يكون الصمت ترفُّعًا، وقد يجسِّد العزَّة والمهابة إذا جاء في موضعه، لكنه قد يفضح الضعف أو التخاذل في مواقفَ أخرى. الصمت فضاءٌ لصراع الذات، ومتَّسعٌ للخيال، وبوابةٌ للحكمة، ومرسى للتأملات، ومنبعٌ للإجابات. الصمت مضمارُ الفكرة، وبالصمت ينضج المعنى! فإذا تكدَّست كثافة المشاعر هناك، أذابت النفس وأضعفتها. لذا، نستلذّ بنتاج ذلك حينما يسمو العقل بمعالجته المعرفية لكل شعور تضخَّم أثناء تلك الحالة وسكن هناك، فيحمل الإنسان إلى أن يعكس فوضى روحه الصامتة على لوحة، أو يودعها بين الحبر والورق، أو ينظمها في قصيدة، أو يجسدها في رقصة. الصمت بوابةٌ للفن. ربما يسرقنا الصمت من الوجود! لكنه في المقابل ينقلنا إلى الحياة… وقد يزيحنا عنها! فمن أنت في صمتك؟ نصمت حينما يتضخم الكلام، ونصمت حينما يكثر التباهي، ونصمت عندما يطغى الهزل. نصمت حينما نغرق في الماضي، أو نقلق من حاضرنا، ونصمت عندما يحيط بنا المتربِّصون، راسمين ابتساماتٍ بلهاء على وجوههم. نصمت حينما نختبر أحدهم، أو حينما ننتظر أحدهم.. للصمت وقعٌ جمالي نابع من حقيقته وعمقه، وربما من ظلمته. لكن له هالته الخاصة وشعاعه الوضَّاح. للصمت روحٌ طاغية، وله موقفٌ طاغٍ. وللصمت منطوقٌ ولفظةٌ هامسة. يروق لنا الصمت فنصمت، لكننا لن نصمت حينما يستوجب علينا الحديث. حينها، ستكون *الكلمة الواحدة موقفًا يحمل جماليات الصمت كلها*.