هل نضج الفيديو آرت في الساحة الفنية ؟

يُعتبر الفيديو آرت أحد أبرز التيارات الفنية المعاصرة التي نشأت من تقاطع الفنون والتكنولوجيا، حيث استطاع أن يكسر الحواجز التقليدية للفن ويطرح لغة بصرية جديدة تحمل في طياتها معانٍ فلسفية وتجريبية، ومع هـذه التطورات السريعة التي يشهدها المشهد الفني، يبرز التساؤل: هل نضج الفيديو آرت في الساحة الفنية ؟ منذ انطلاقه في ستينيات القرن الماضي، جاء الفيديو آرت كتجربة فنية مبتكرة تهدف إلى استكشاف الأبعاد الزمنية والمكانية للصورة المتحركة، متحرراً بذلك من قيود السرد السينمائي التقليدي، ممثلاً لنوافذ وعوالم جديدة حيث تتداخل التكنولوجيا مع التعبير الفني، مما أتاح للفنانين فرصة إعادة تعريف حدود الإبداع والتجريب من خلال التقنيات الحديثة. في الساحة الفنية والمعارض الفنية المحلية والدولية المتنوعة ، كان الطريق نحو نضوج هذا الفن محفوفًا بالتحديات، فالبنية التحتية الفنية والمناهج الأكاديمية المتخصصة لم تكن دومًا متوفرة، بينما كان الجمهور يتعود على أشكال فنية تقليدية أكثر، ومع ذلك بدأ التغيير يظهر مع انفتاح المؤسسات الثقافية ودعمها وتنظيم الفعاليات المتخصصة التي تهدف إلى تسليط الضوء على هذا التيار. ومن هذه التجارب يعد ملتقى الفيديو آرت الدولي في الدمام مثالاً حيًا على الجهود المبذولة لترسيخ هذا الفن في الوطن العربي، فقد جمع الملتقى فنانين محليين ودوليين من خلال التجارب الفنية في الأعمال التجريبية التي جمعت بين التقنية الحديثة والفكر النقدي، مما أبرزت قدرة الفيديو آرت على تجاوز الحدود التقليدية والتعبير عن قضايا معاصرة بطرق مبتكرة، وفتح المجال لنقاشات معمقة حول المستقبل بمشاركة النقاد والفنانين آرائهم حول إمكانياته وتحدياته، مما ساهم في رفع مستوى الوعي الفني لدى الجمهور، كما لعب الملتقى دورًا مهمًا في تسليط الضوء على المواهب السعودية، حيث أتيح للفنانين الناشئين فرصة لعرض أعمالهم والتواصل مع فنانين عالميين، مما ساهم في نقل الخبرات وتبادل الأفكار. يمكن القول إن الفيديو آرت في ساحتنا الفنية قد بدأ يشق طريقه نحو النضج، ومع ذلك، لا يزال هناك ما يجب إنجازه لضمان استمرارية هذا النمو، فالفنانون الشباب يحتاجون إلى برامج أكاديمية متخصصة تركز على الفيديو آرت وتقنيات الإنتاج الرقمي لتعزيز مهاراتهم وإثراء تجربتهم الفنية، كما يتطلب دعماً أكبر من المؤسسات الثقافية والراعية لضمان توفير المنصات اللازمة للعرض والتفاعل مع الجمهور، مما يعزز من فرص التبادل الفني، بالإضافة إلى بناء مجتمع نقدي متكامل يتابع تطورات هذا الفن ويناقش معالمه، ويساعد على توثيق التجارب وتطويرها بما يتناسب مع التحولات العالمية. ويبقى السؤال : هل سنشهد في المستقبل تحول الفيديو آرت إلى عنصر أساسي يرتكز عليه المشهد الفني، أم أنه سيظل في مراحله التجريبية؟ يبقى الأمل معقوداً على استمرار الجهود المشتركة للنهوض بهذا الفن بما يخدم الهوية الثقافية والإبداعية لساحتنا الفنية. * كاتب في المجال الثقافي والفني