قراءة في كتاب «تجارب عمر» للشاعر /عبيد الطوير العنزي..
بَسَــــاطة المفردة وعمق المعنى.

حينما نتصفح ديوان تجارب عمر للشاعر عبيد الطوير معيوف العنزي يأخذنا في رحلة بين الأمل والخذلان، بين الحب والفقد، بين الحنين للماضي والتأمل في الحاضر، بين الفخر بالأصالة والقلق مما آلت إليه بعض القيم. لم يكن الشعر في هذا الديوان مجرد أوزان وقوافٍ، بل كان مرآة تنعكس عليها مخاوف الإنسان، وشغفه، وآلامه، وأحلامه. ديوان «تََجارب عُمْر» هو نتاج شعري يمثل تجربة حياة مليئة بالعواطف والأحاسيس الصادقة والتأملات الشخصية والوجدانية. نشأة الشاعر وأثرها على شعره: من خلال ديوان «تجارب عمر»، نجد أن الشاعر كان دائمًا ما يعكس في شعره العلاقة القوية بين الفرد وبيئته، وأثر البيئة البدوية في تشكيل نظرته للعالم. وندخل في صلب قصائد الديوان ففي قصيدته «أبوي»، يعترف الطوير بأن والده كان أبًا مُحبَّاً حكيمًا، وعاش على القيم التي يعجز عن وصفها بكلمات شِعره المُجرّدة. ففي هذه القصيدة: لا يتحدث فقط عن الأب فحسب، بل يتطرق لِـ مجتمع بأسره بحيث كان يعكس صورة من الاحترام المتبادل والشجاعة والكرامة. أبوي شيخٍ سيرته ما بها شــكوك من كدّ يمناه العرب مرتوينا للمرجلة شـاري وللطيب مملوك وللجار دار وللبّنيخي عوينا إحساس الشاعر تجاه الوطن: يعتبر الوطن في ديوان «تجارب عمر» محط تقدير خاص، ويظهر ذلك جليًا في أكثر من قصيدة، حيث يُجسد الوطن كـ أرض لا تموت ومكان يتنفس فيه الشعر. الوطن ليس مجرد حدود جغرافية، بل هو الهوية والوجود، وهو الذي يجمع ويُوحّد أفراد المجتمع تحت راية واحدة. في قصيدته «الوطن»، نجد الشاعر يقدس تضحية الأجيال السابقة، ويتمنى أن تظل هذه التضحية حاضرة في ذاكرة الوطن والمجتمع. الشاعر لا يغفل عن تاريخ الوطن وأمجاد أفراده، حيث يذكر في بعض القصائد معارك تاريخية مثل معركة القادسية وذي قار. هذه المعارك ليست مجرد أحداث تاريخية أو محطات، بل هي جزء من الذاكرة الوطنية التي لا تُمحى وعلامات فارقة مهمة، وأحد أسس هوية الوطن التي يعتز بها الشاعر. حب الوطن ماله مقاييس وأرقام وماله مكان إلَّا بوسط الحنايا ولا تحتويه ســنين وشـهور وأيام ولا يســتقيم إلّا بصدق النوايا الأسلوب الشعري والأدوات البلاغية: من حيث الأسلوب الشعري، يظهر ديوان «تجارب عمر» بأسلوب شعبي خالٍ من التعقيد، وهو في جوهره يعتمد على الأسلوب البسيط والسهل القريب من القلب. هذا الأسلوب يتسم بِـ الصدق والبساطة في التعبير، وهو ما يميز الشعر الشعبي عن غيره. يستخـدم الطويــــر الأوزان التقليـــديـــــة والصــور الشعرية ليعبّر عن مختلف المشاعر، ونجده يعزف على وتر الحنين والألم والفرح في تنقل سلس بين المفردات. الورد جاور غرامه قطعة الثّيل وأنا غرامي بوسـط القلب متربع • الحب والعاطفة: الحب هو أحد المواضيع الرئيسية التي يعالجها الشاعر في ديوان «تجارب عمر». الحب ليس مجرد شعور بسيط، بل هو تجربة معقدة مليئة بالمشاعر المتضاربة بين الفرح والألم، بين اللقاء والفراق. قصائد الشاعر تعكس هذا التداخل العاطفي بشكل قوي، إذ يتم تصوير الحب كقوة تدفع الشخص إلى التضحية والوفاء في سبيل الآخر، وتظهر هذه الصورة بوضوح في العديد من الأبيات مثل «تعال أبي أضّمك وأعيش العمر فيك». الشاعر يتعامل مع الحب في هذا الديوان كقيمة عظيمة تسكن القلب ولا يمكن أن تُمحى، بل تبقى حية حتى في غياب الحبيب. تعال أبي أضَمك وأعيش العمر فيك مخاوي لشعري وتسـبّق حروفي أعيش حلمك واتتبّع خطاويك فــــــي حضرتك أنســــى همومـــــي وخوفـــي وفي قصيدة أخرى يعبر عن استحالة ان يرى المحبوب قلبه وهو مخفي بين الضلوع كي يرى على الطبيعة أوجاع هذا القلب شـسـوي بقلبّي عشـان تشـوفه القلب من داخل مهو من برا العين تفضحني وهي ملهوفه واقف على جمر الزمن واتحرا •الفقد والألم: من المواضيع البارزة أيضًا في ديوان «تجارب عمر» هو الفقد، وهو موضوع يتكرر في عدة قصائد. الفقد هنا لا يقتصر على غياب الأشخاص ، بل يمتد ليشمل الغياب الكلي ففي.قصيدة «اليوم أنا وين حالي ووالدي وينه» مثال قوي على هذا الموضوع، اليوم انا وين حالي ووالدي وينه فراق الاجساد بس أرواحنا عَيَّت يغيب عني بعيد وتبّطي ســــنينه أعيش دونه حياه وداخلي ميت •الموت وفلسفته: الموت يعد من المواضيع الأثيرة التي يتناولها الشاعر في عدة قصائد.. «، يعبّر الشاعر عن عدم قدرته على الهروب من حقيقة الموت، لكنه في نفس الوقت يصر على أن الموت ليس النهاية، بل هو جزء من دورة الحياة التي لا يمكن التوقف عنها. الأكيد الموت، ولا فيه حيله ياخذ الفرسان والراس الحماوي كم خلي ٍل فاقد ضحكت خليله عقب ما هو داله قلبّه وقاوي بالحـياة رجال وأـفعال وقبّيله وكلنا في داخل القبّر متســاوي • الوطنية والانتماء: الوطن هو أحد المواضيع التي يتعامل معها الشاعر بنبرة جادة، حيث يُظهر في العديد من القصائد عمق انتمائه لوطنه وحبه له. في قصيدته «ديرة تجفاك لو فيها قريب» يُظهر الشاعر فخره بوطنه ويمجد أفراده، ويشيد بما يُقدّمونه من تضحية وفداء. ديرة تجفاك لو فيها قريب شد عنها الركايب وفالك تاصله وديرة تكرمك لو أنك غريب كل من فيها حبّيب وحق تواصله • التأملات الاجتماعية: بالإضافة إلى المواضيع العاطفية والفلسفية، نجد أن الشاعر يتناول أيضًا قضايا اجتماعية تعكس حال المجتمع وأفراده. في عدة قصائد، يعكس الشاعر صراعات المجتمع، ويُظهر كيف يمكن أن تؤثر التغيرات الاجتماعية على الإنسان وعلى مشاعره. الـوقـت عَيّا يـطاوع طـيّب النيّه أحـاول أفـهم وكنّي عايشٍ لـحالي ذابت مـفاهيم كانت غير عاديّه وجتنا مفاهيم كانت عيب تنقالي تدرج الوقت يطحن في مبّاديه يروح مبّدأ ويجينا طيش وهبّالي وللمقارنة بين زمانين يقول راحت ســوالف كاســـبّين الجَمَاله وجتنا ســوالف بين هاتف وراعيه كّـلن على الجــــوال يـقرا مـقالـه ويتابـع ارســـــال عن الــنـاس مـلهيه أثر الخواطر والتغريدات في الديوان: تأتي الخواطر والتغريدات في نهاية الديوان كلمسات أخيرة تعكس التجارب اليومية للشاعر، ورؤيته المختصرة للحياة والمجتمع والوطن. هذه المقطوعات القصيرة تشبه نبضات فكرية تعبر عن خلاصة أفكار الشاعر ومواقفه بأسلوب مباشر وسريع التأثير، على عكس القصائد الطويلة التي تتطلب تأملًا أعمق. ونصل الى نهاية الإبحار في ديوان تجارب عمر و» هو بحق عمل شعري استثنائي يعكس قدرة الشاعر الطوير على تجسيد معاني الحب، الفقد، الموت، والوطنية في كلمات بسيطة وموجزة بلغة سهلة ومعبرة، إلى جانب الموضوعات الجريئة والعميقة، تجعل من هذا الديوان نصًا شعريًا يحمل في طياته الكثير من الدروس الحياتية والمشاعر الإنسانية.