
في مشهد مهيب يزدان بالروحانية والعلم، دشّن صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، متحف القرآن الكريم، الذي يُعد أحد أبرز المرافق في حي حراء الثقافي، وذلك بحضور نخبة من أصحاب السمو الأمراء والفضيلة والمعالي، ويأتي هذا التدشين تحت إشراف ودعم الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، ليكون إضافة نوعية تثري التجربة الدينية والثقافية لزوار مكة المكرمة. أقسام ومقتنيات بجوار جبل النور وقرب غار حراء، حيث بدأت رسالة الإسلام؛ تم تدشين متحف القرآن الكريم ليأخذ الزوار في رحلة عبر تاريخ المصحف الشريف، من نزوله إلى تدوينه وانتشاره حول العالم بالكثير من اللغات، وقد صُمِّمَ المتحف وفق رؤية متكاملة تمزج بين المعرفة والتقنيات الحديثة، ليمنح زائريه تجربة تفاعلية فريدة، حيث يضم بين أروقته مخطوطات نادرة، ومصاحف تاريخية، وعروضًا بصرية تفاعلية تروي مسيرة تدوين المصحف الشريف، وتكشف مظاهر العناية به على مر العصور، ويهدف هذا الصرح الثقافي إلى إبراز مكانة القرآن الكريم كمصدر للهداية، وإثراء تجربة الزائر بأساليب عرض مبتكرة تجسد الاهتمام العميق بكتاب الله وتاريخه المجيد. تتكون أقسام المتحف من: قاعة العرض المرئي؛ التي تقدم تجربة تفاعلية تعرض عظمة القرآن وأثره، وقاعة المخطوطات التي تضم مصاحف نادرة ومخطوطات تاريخية، وقاعة علوم القرآن التي تستعرض تطور علوم التفسير والقراءات، وقاعة النشر والانتشار التي توضح مراحل انتشار القرآن عبر العصور، أما أهم مقتنيات المتحف فهي مخطوطات نادرة من العصور الإسلامية المختلفة، ومصاحف أثرية مكتوبة بخطوط متنوعة من مختلف الأزمنة، ومجسمات تعليمية تعرض تطور كتابة المصحف الشريف، وتقنيات تفاعلية حديثة للتعريف بعظمة القرآن الكريم. وقد سجل متحف القرآن الكريم رقمًا قياسيًّا جديدًا فِي موسوعة غينيسْ للأرقَامِ القياسيَّة بضمّه لأكبر نُسخةٍ للقرآن الكريم في العالم، بمقاس 312 × 220 سم، وعدد صفحاته 700 صفحة، رقمًا قياسيًّا آخر لأكبر حامِلٍ للمصحف فِي العالم. جهود لا تتوقف يأتي افتتاح المتحف في إطار جهود الهيئة الملكية الحثيثة لإحياء المواقع التاريخية والإثرائية في مكة المكرمة، وتطوير مشاريع ثقافية تُعزز هوية المدينة الدينية وتُثري تجربة سكانها وزوارها. كما يعكس المشروع نهج الهيئة في دعم الشراكات مع القطاع الخاص، وتوجيه الجهود نحو تطوير مبادرات نوعية ترفع جودة الخدمات المقدمة، وتحقق استدامة الحراك الثقافي والمعرفي، مع إفساح المجال أمام الابتكار في تقديم المحتوى الديني والتاريخي بأساليب معاصرة. وقد ألقى سعادة الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، المهندس صالح بن ابراهيم الرشيد، كلمةً خلال حفل التدشين، جاء فيها أن مكان المتحف في مكة، حيث نزل الوحي، وافتتاحه في رمضان الذي نزل فيه القرآن، يأتي ليخلد المسيرة العظيمة لكتاب الله، وثمّنَ أهمية مشاركة القطاع الخاص للقطاع العام في تنفيذ المشاريع الثقافية المباركة، وثمّنَ في هذا الإطار جهود شركة سمايا الاستثمارية لإثراء المشهد الثقافي لمكة المكرمة، وأشار سعادته إلى أن “متحف القرآن يأتي امتدادًا لرؤية ثقافية متكاملة، حين افتتح صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، حي حراء الثقافي قبل عامين، وكانت تلك خطوة في رؤية متكاملة، واليوم يستكمل المتحف هذه المسيرة المباركة حيث شرفنا برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل، الذي يواصل دعمه لكل ما يعزز رسالة مكة المكرمة ودورها الريادي”، وأكد الرشيد على أن متحف القرآن الكريم يُضاف إلى حي حراء الثقافي، ليكون محطة جديدة تثري تجربة الزوار، فيما نستعد لافتتاح حي جبل ثور الثقافي خلال هذا العام - بإذن الله - لاستكمال رواية الأماكن التي شهدت اللحظات العظام. شهد الحفل أيضا؛ إلقاء الأستاذ عماد بن صالح الخراشي، محافظ الهيئة العامة للأوقاف، كلمةً أوضح خلالها أن المتحف يقع على بعد خطوات من المكان الذي نزل فيه الوحي على خير البشرية، محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم)، وأن المتحف يُقام على أرضٍ وقفية مما يضفي على الموقع قيمة تاريخية فريدة، حيث بدأ نزول هذا القرآن بكلمة خالدة أنارت طريق البشرية وهي كلمة (اقرأ)، وتوالى بعدها نزول القرآن لتُختم به جميع الكتب السماوية، ويكون ناسخًا لها، وأضاف خراشي في كلمته: “لقد اعتنى المسلمون بكتاب الله منذ ظهور الإسلام بكتاب الله وأولوه عناية كبيرة وعملوا على توثيق تاريخه للمحافظة على هذا الإرث العظيم، لأنه يحمل قصة عظيمة منذ نزوله وإلى أن تم تدوينه وجمعه”، وأضاف: “نسعد بأن تكون الهيئة العامة للأوقاف شريكًا استراتيجيًا في هذا الإنجاز، وداعمة له من منطلق حرصها على إثراء تجربة الحجاج والمعتمرين، وزوار مكة وساكنيها”. 15 مخطوطاً من مركز الملك فيصل لإثراء محتوى المتحف في إطار رسالته الرامية إلى حفظ التراث الإسلامي وإثراء المعرفة، يشارك مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في متحف القرآن الكريم بمكة المكرمة عبر إعارة مجموعة من المخطوطات والمطبوعات النادرة، التي تسهم في تقديم تجربة ثقافية ثرية للزوار. وتأتي هذه الخطوة في سياق التعاون المستمر بين المركز والمتحف، تأكيدًا على أهمية التكامل بين البحث العلمي والعرض المتحفي في إبراز الكنوز التاريخية للمخطوطات القرآنية. حظي المركز بتكريم خاص خلال حفل الافتتاح تقديرًا لمساهمته في دعم مقتنيات المتحف، حيث تسلم الأستاذ ياسر الزهراني، مستشار الأمين العام للمركز، درع التكريم، تأكيدًا للدور المحوري الذي يؤديه المركز في نشر الوعي بتاريخ المخطوطات القرآنية وأهميتها العلمية والثقافية. وتعكس هذه المشاركة التزام المركز بإتاحة التراث الإسلامي للأجيال القادمة، من خلال تقديم نماذج فريدة من المصاحف المخطوطة التي تعود إلى فترات زمنية متعددة، بدءًا من العصر العباسي وحتى العهد العثماني. وتضم قائمة المقتنيات التي قدمها المركز مخطوطات قرآنية نفيسة، منها مصحف مخطوط بالذهب من الأندلس، ومصحف مزخرف من إسطنبول، وأجزاء قرآنية نادرة من مكة والقاهرة وبغداد، مما يبرز تنوع أساليب الخط العربي وفنون التذهيب في مختلف العصور الإسلامية. ومن خلال هذا التعاون، يتحقق نموذج فريد للتفاعل المعرفي، حيث تندمج الدراسات البحثية العميقة مع التقنيات الحديثة في العرض المتحفي، مما يجعل المتحف منصة حية تسلط الضوء على الجمال الفني والتاريخي للمصحف الشريف. كما سجلت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة حضورًا مميزًا في متحف القرآن الكريم بحي حراء الثقافي، حيث عرضت نخبة من المصاحف النادرة المحفوظة ضمن مقتنياتها الثمينة، والتي تعكس تطور فنون الخط والتجليد عبر العصور الإسلامية. وتأتي هذه المشاركة تأكيدًا على دور المكتبة في صون التراث الإسلامي وإتاحته للباحثين والمهتمين، فضلًا عن مساهمتها في تعزيز تجربة زوار المتحف، خاصةً ضيوف الرحمن، عبر تعريفهم بالإرث المخطوط للمصحف الشريف وما يحمله من قيمة دينية وثقافية رفيعة. تقدير وعرفان في لفتة تقدير وعرفان، ترجل صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، من على خشبة المسرح ليكرّم خطاط المصحف الشريف، الأستاذ عثمان طه، خلال تدشين متحف القرآن الكريم، وذلك تأكيدًا على المكانة الرفيعة التي يحظى بها أهل القرآن وعطاؤهم الخالد. يُذكر أن الأستاذ عثمان طه هو أحد أعظم الخطاطين المعاصرين، اشتهر بكونه الخطاط الرسمي لمصحف المدينة النبوية، حيث خُطَّت أنامله المباركة ملايين النسخ التي توزعت في مختلف بقاع العالم الإسلامي. يتميز أسلوبه بالدقة البالغة والجمال الفريد، إذ اعتمد الخط العثماني بأسلوب يحقق التوازن البصري والوضوح التام، ما جعل مصحفه الأكثر انتشارًا وتلاوة بين المسلمين. وُلد عثمان طه في سوريا عام 1934م، ونشأ في بيئة علمية وفنية، حيث تلقى أصول الخط العربي على يد كبار الخطاطين، منهم محمد علي المكاوي، ومحمد بدوي الديراني، وقد برع في إتقان الخط العربي بأنواعه، لكن الخط العثماني كان مجال تفرده وإبداعه، ثم انتقل إلى المملكة ليكون أحد أبرز الخطاطين في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، حيث شارك في كتابة وإصدار العديد من طبعات المصحف الشريف، التي عُرفت بجمالها ودقة أحرفها وتناسقها البديع. وقد خُطَّ أول مصحف له عام 1970م، ومنذ ذلك الحين، أصبح اسمه مقرونًا بجمال الخط القرآني واتقانه. حي حراء الثقافي يُعد حي حراء الثقافي وجهة متكاملة تُجسد العمق الروحي والتاريخي لمكة المكرمة، حيث يحتضن جبل حراء، الذي شهد نزول الوحي لأول مرة، ويضم مرافق تعزز التجربة الدينية والمعرفية، منها معرض الوحي، الذي يقدم تصورًا تفاعليًا لقصة نزول الوحي على الأنبياء، وتجربة الصعود إلى غار حراء عبر مسار مهيأ بأفضل المعايير. كما يحتضن المشروع متحف القهوة السعودية، والمكتبة الثقافية، وحديقة حراء، التي تتيح للزوار بيئة تأملية غنية بالاكتشاف والمعرفة. تجربة ثرية بانتظاركم في شهر رمضان المبارك، يفتح متحف القرآن الكريم أبوابه للزوار بخصم قيمته 50% على تذاكر الدخول بمناسبة الشهر الكريم، أما عن أوقات الزيارة فهي من السبت إلى الخميس، من الساعة 7:30 صباحًا إلى الساعة 11:30 مساءً، وأوقات الزيارة يوم الجمعة تكون من 3:30 مساءً وحتى 1:00 صباحًا، ليستمتع الزائر بنافذة مضيئة تروي حكاية العناية بكتاب الله، وتمزج بين الأصالة والتقنيات الحديثة، مانحة الزائر فرصة فريدة لاستكشاف التاريخ العريق للمصحف الشريف ومخطوطاته النفيسة، في تجربة روحانية ومعرفية قلّ نظيرها.