كيف يقضي المثقفون أيام رمضان؟
استحضار للروحانية.. تكثيف للقراءة.. وأعمال تطوعية وثقافية.

المشاركون في القضية: - أ.د إبراهيم بن مبارك الجوير: عضو مجلس الشورى سابقاً. - أ.د هيفاء بنت عثمان فدا: عضو مجلس إدارة الجمعيات الأهلية بمنطقة مكة المكرمة. - أ. محمد علي قدس: قاص وأديب. - أ. انتصار العقيل: كاتبة وروائية. - د. عبدالرحمن العتل: شاعر. - أ. زينب غاصب: كاتبة وشاعرة. - أ. جمال السعدي: رئيسة رواق النادي الأدبي بالمدينة المنورة. - أ. سعد عبد الله الغريبي: كاتب وشاعر. - د. حكيمة الحربي: أديبة وكاتبة. - أ. بدرية بنت عبدالله الشمري. - أ. صباح فارسي: قاصة وكاتبة. - أ. صلاح بن هندي: كاتب وشاعر. - أسماء المحمد: إعلامية مهتمة بالتاريخ السعودي. - د. منى الغامدي: أكاديمية. أديبة. فنانة تشكيلية. - علا العلوي: كاتبة وأديبة. --- يأتي شهر رمضان المبارك في كل عام حاملاً معه بشائر الرحمة ونفحات الخير والبركة، ويستقبله المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بحالة من الحبور والفرح بثلاثين يوماً مختلفة عن بقية أيام السنة، يتقربون فيها إلى خالقهم بعبادة الصوم التي تتميز عن بقية العبادات بخصوصية فريدة وهي أنها لله وحده من منطلق قول الله سبحانه في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)، فيما يتسابق المسلمون ليلاً للقيام وعمارة المساجد، آملين أن تلحقهم نفحات الرحمة من رب العالمين. هذا الشهر الفضيل يحظى بروحانية وسكينة، وفي هذا العدد استضفنا عدداً من الأدباء والمثقفين والشعراء لكي نقف معهم على كيفية استقبالهم لشهر رمضان، وكيفية قضاءهم لأيامه ولياليه فكانت الحصيلة التالية. طقوسي الرمضانية في البدء تحدث أ. محمد علي قدس موضحاً أن لرمضان خصوصية وحميمية روحية، تعلق بطقوسها منذ الصغر، حيث يقول: “على عكس الصغار الذين كانت مدافع العيد تفرحهم، إلا أنا كنت أشعر بحسرة وحزن على فراق شهر رمضان، اعتدت اغتنام أيام الشهر والاستمتاع بكل أوقاته. أتفرغ فيه لأمرين مهمين، أولهما بالطبع العبادة من صيام وقيام وتدبر في كتاب الله، تلاوته وتفسيره، والقراءة والكتابة، وأخصص الزيارات للأهل والتواصل معهم في الثلث الأول من رمضان، والثلث الأخير أعتزل فيه تماماً كل ما يشغلني عن العبادة ثم الكتابة والقراءة، معظم ما قرأت من كتب كان في أيام شهر رمضان. وخلال عملي في كتابة الأعمال الدرامية لإذاعة جدة التي استمرت لسنوات، وهي البرامج الرمضانية المشهورة بشعبيتها ولها أجواءها الرمضانية، فكنت تقريباً أنتهي من كتابة الجزء المهم منها قبل دخول رمضان، وأتم بقية الحلقات في العشر الأوائل من رمضان، ومن أهم ما كتبت للإذاعة في رمضان (نمرة وجمرة) و( هريسة عم رمضان) و(مقامات بديع الزمان في رمضان)، وبرنامج (حوار صريح)، ودائماً أعتذر عن المشاركة في نشاطات ثقافية أو أمسيات قصصية، يتم التوقيت لها في ليالي رمضان خارج مدينة جدة، وبعد التقاعد تفرغت تماماً للتأليف والكتابة والقراءة واعتزال السوشل ميديا طوال رمضان”. فرصة للتغيير الإيجابي من جانبها، أكدت أ. د. هيفاء بنت عثمان فدا أن شهر رمضان هو فرصة رائعة للتأمل والتغيير الإيجابي، وأضافت: “لا يختلف اثنان في آلية قضاء أيام رمضان ولياليه في التقرب إلى الله تعالى عبر الصلاة والقيام وتخصيص وقت لصلاة التراويح وقيام الليل وقراءة القرآن، فأجعل لنفسي هدفاً بقراءة جزء أو أكثر يومياً، مع التدبر في المعاني، والتأمل والتفكر في حياتي، وفي علاقاتي بالآخرين، وفي الأهداف التي أرغب في تحقيقها، والتواصل مع العائلة والأصدقاء والاجتماع على الإفطار، ومشاركتهم اللحظات الإيمانيّة العميقة والجميلة، ودعوة الأصدقاء لتناول الإفطار سوياً، والاستمرار في العمل الخيري الشخصي كتوزيع الطعام على الفقراء، أو مساعدة المحتاجين في مجتمعي، وتنظيم الوقت عبر وضع جدول يومي يوازن بين العبادات والأنشطة الاجتماعية والوقت الشخصي. وتجنب الانشغال الزائد بالسوشل ميديا، والحرص على الختمة الرمضانية لمرات عديدة مع التدبر والتفكر والتأمل في بيان النص القرآني المعجز، ويصحب ما مضى النية الصادقة في كل ما أفعله، متذكرة أن رمضان هو فرصة لتجديد علاقتي بالله تعالى، وقبل الختام التوجه للمنعم بالحمد والثناء على نعمة الإسلام ونعمة المقام في بلد الأمن والأمان في بلادنا الغالية وتحت قيادة رشيدة من ولاة أمرنا حفظهم الله وأبقاهم، وختاماً فلنجعل من رمضان شهراً مميزاً في حياتنا، ولنغتنم كل لحظة فيه لتحقيق السلام الداخلي والقرب من الله تعالى”. تأمل وتفكير وأكدت أ. انتصار العقيل أن المثقف والأديب يقضي أوقاته في رمضان بطرق مختلفة، لكنها غالباً ما تتميز بالتأمل والتفكير والاستفادة من روحانية الشهر، وهذا أمر يمارسه الجميع. وواصلت: “بعض الطرق التي قد يقضي بها المثقف والأديب أوقاته في رمضان: 1. قراءة الكتب التي تخص الدين والفكر والثقافة لتعزيز معرفته وتأملاته. 2. الكتابة والتفكير في مشاريعه الأدبية والفكرية. 3. التأمل في معنى الحياة والوجود، وتأثير رمضان على الروح البشرية. 4. المشاركة في الأنشطة الثقافية والفكرية التي تتم خلال رمضان، مثل الندوات والمحاضرات والورش. 5. التطوع في الأعمال الخيرية والاجتماعية خلال رمضان، مثل توزيع الطعام على الفقراء والمحتاجين. 6. الاستمتاع بالشعر والأدب العربي، خاصةً الأعمال التي تتناول رمضان والصوم. 7. التواصل مع الأهل والأصدقاء وتقديم التهاني بمناسبة رمضان. وكل عام والأمة الإسلامية بخير”. أنس في كل ليلة من جهتها، أشارت أ. زينب غاصب إلى أن شهر رمضان تتألق فيه القلوب بالصفاء، وتتعطر بالروحانية، وقالت: “لا أظن أن المثقفين تختلف طقوسهم في رمضان عن الآخرين، ووقتي في رمضان لا يختلف عن الأيام الاعتيادية في شيء سوى أن جرعات الروح تزداد تبّتلاً في رحاب الله، طمعاً في عفوه، ومغفرته، وتقرباً إليه في خير شهوره، أشعر فيه بالأنس كل ليلة فالأنس فيه انشراح بما نراه من تغير إذ يصبح الليل هو البديل عن النهار في الحركة، وفي ضياء العبادة في المساجد والبيوت، وفي الشوارع قد نشاهد مظاهر الروحانية والجمال من زينات وأنوار أحرص أن أخرج لرؤيتها كعادة مبهجة حولنا لا نراها إلا مع قدوم الشهر في نطاق الحي الذي نسكنه. تزيد لدي جرعة القراءات الدينية، خصوصًا في تفسير القرآن الكريم حيث أقرأ (كتاب تفسير القرآن للدكتور (محمد عابد الجابري) رحمه الله، فهو مفكر أثرى العقول بنتاج ضخم من المؤلفات، وكتابه في التفسير من أعظم التفاسير الحديثة، وهناك أيضاً قراءات أخرى، والتزامات طوعية في زيارة الأقارب، أو الأصدقاء المقربين، أحيانا بشكل محدود، أما بالنسبة للنتاج الثقافي ربما أحياناً أدعى إلى حضور مناسبات ثقافية أو إحياء أمسية شعرية، إذا حلت ذكرى ثقافية خلال الشهر، أو ربما الالتقاء في فطور ثقافي يجمع البعض عن طريق مؤسسة، أو فعالية، وتظل الكتابة شيئاً ملازماً لي حتى لو عن طريق قصيدة تأتيني زائرة فالشِعر ليس له وقت فهو يأتيك ولا تستدعيه، ويبقى رمضان شهر الحركة بالنسبة للأيام الرتيبة، فهو مختلف بطلته، بروحانيته، بعطائه حتى ذلك العطاء الثقافي الذي قد يخرج بفكرة ما، وتدوين طلائعها ثم إكمالها في قادم الأيام. أدعو الله لي ولكم العفو والعافية وليجعلنا الله ممن ينالون رضاه، ويكرمنا لنعود نعيشه كل عام”. طقوس رمضانية مدينية وأوضحت أ. صباح فارسي أن شهر رمضان شهر عبادة يتفرد بتكثيف قراءة القرآن الكريم وتلاوته في الصلاة آناء الليل وأطراف النهار، بالإضافة إلى الرجوع لبعض الكتب التي سبق قراءتها، مثل صيد الخاطر والداء والدواء، مشيرة إلى أن هذه الكتب مليئة بالفوائد التي لا حصر لها، وأنه كلما عاد إليها المرء وجد فيها مغنماً. وعن تفاصيل يومها الرمضاني قالت: “أقضي الكثير من الوقت في إعداد الفطور الرمضاني لعائلتي، حيث أحرص على تحضير أطباق يحبها كل فرد منهم. ومن تلك الأطباق البريك المديني والبُف، ورغم أن مكوناته تشبه السمبوسة المعروفة، إلا أن له طعماً مميزاً يزين سفرة رمضان. كما أنني أعدّ طبق قاضي قضاة، وهو طبق لا يعرفه سوى أهل المدينة المنورة، حيث وُلدت، ويتميز بمذاقه الفريد ومكوناته الخاصة التي تجعله جزءاً من التراث المديني. وأفضل دائماً الذهاب للتسوق قبل رمضان، حيث أقوم بشراء المستلزمات الأساسية وتجهيز كل ما يلزم لتحضير الأطباق الرمضانية المفضلة، مما يساعدني على تجنب الازدحام خلال الشهر الكريم، ويوفر لي المزيد من الوقت للعبادة والراحة. رمضان ليس مجرد صيام عن الطعام والشراب، بل هو فرصة عظيمة للتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، ومراجعة النفس، والسعي لتطوير الذات من خلال القراءة والتأمل، كما أن اجتماع العائلة حول مائدة الإفطار يمنح هذا الشهر روحانية خاصة، حيث تسود الألفة والمحبة، ونتبادل الأحاديث والذكريات. ومن الأمور التي أحرص عليها في رمضان التقليل من المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي، واستغلال هذا الوقت في العبادة والتأمل والقراءة، مما يساعدني على التركيز أكثر والشعور بصفاء الذهن والراحة النفسية”. وأكملت: “بعد الإفطار، أحب أن أقضي وقتي في صلاة التراويح، وقراءة القرآن، والتفكر في معانيه، إضافةً إلى المشاركة في أعمال الخير، مثل تقديم المساعدة للمحتاجين والمساهمة في موائد الرحمن، فهذه الأعمال تضفي على رمضان معنى أجمل وتعمّق الشعور بالرحمة والتكاتف”. شهر تغذية الروح واعتبرت أ. أسماء المحمد الشهر الفضيل استراحة محارب لتغذية الروح، والابتعاد عن روتين الإجهاد وإيقاع الحياة السريع، وعن كيفية استقبالها لرمضان تقول: “أحافظ على تقليد محبب لي يتعلق بالتأمل في تفاسير القرآن الكريم باختيار موضوع مختلف سنويا للتأمل فيه، وغالباً يكون مرتبطا ببحث من أبحاثي، وهذه ممارسة قد تتكرر في اليوم الواحد على حسب المهام اليومية، وهي جرعة مقدسة ولا تمل، أتركها وأعود لها بشوق، وغالبا اختطف لها وقت مطول مع شروق الشمس. ومنذ عام 2020م خصصت الدورات الرمضانية للأنبياء والرسل، وهذا العام متحمسة للتعرف أكثر على عالم النبي الصديق إدريس عليه السلام”. وزادت: “طقس صلاة التراويح مع والدتي في مسجد الحي والبخور يعبق في المكان والتوقف للسلام على الجيران والهمسات التي تلي نهاية الدعاء الجماعي في المسجد حتى يتفرق الجميع لها نكهة خاصة عندي منذ مرحلة الطفولة، وقبل أعوام طويلة قاطعت البرامج التلفزيونية والفضائيات وتخلصت تماما من وجودها، واكتفي إذا احتجت لرؤية برنامج بالعودة للمقاطع المتوفرة في الإنترنت، وأنصح بالتخفيف من المشاهدة واستثمار الوقت فيما يفيد - خاصة في شهر رمضان. أما مأدبة الطعام الرمضانية وهي من أكبر هموم وأحاديث النساء، فقد كثفت جهودي لجعلها في دائرة الاهتمام المتوازن، فلا يلتهم اختيار وتجهيز السفرة الرمضانية الوقت والجهد والطاقة، ولا يحرم المستمتعين بالطقس الرمضاني من اللذائذ – وعلى المستوى الشخصي نوعية الطعام عندي غير مهمة، ما تيسر يكفيني ولا يتقدم على القهوة السعودية والتمر أي طبق رمضاني”. تهذيب النفس البشرية وأدلت أ. بدرية بنت عبدالله الشمري بدلوها حيث أكدت أنه في رمضان يتبارك الوقت لتجد لنفسك متسعاً رغم أنك لو قارنت عملياً أشغالك خلال اليوم فأنت لن تجد هذا المتسع. وأضافت: “البركة التي تسكن هذا الشهر الفضيل تحمل معها الطمأنينة، بالرغم من عملي كموظفة حكومية وفي نفس الوقت ربة منزل فالوقت ينقسم ما بين العمل المطبخ والعبادة والترفية والقراءة، كل هذه الأمور تجتمع لتشكل تحديا لذيذا خلال هذا الشهر الفضيل. ساعات نومي لا تتغير إلا في العشر الأواخر، وشهيتي للقراءة تزداد، ولعل لهذه الحالة تفسيراً وحيد أنني أكثف خلال رمضان قراءة القران ومن خلاله أجد نفسي أبحث عن القراءة أكثر، وأفضل كثيراً قراءة الكتب الدينية والتاريخية، أجد أن هذه العادة أصبحت متأصلة وغريبة بنفس الوقت. رمضان شهر يؤدب فينا الصبر والتأمل أن تنازعك نفسك على أشياء تحبها حرمت عليك في نهار رمضان. هو في حد ذاته ممارسة لتهذيب النفس البشرية التي رغم اختلاف مذاهبها وأديانها دائماً ما كانت تختار الصيام وسيلة لعودة النفس إلى إنسانيتها”. الصفاء والنقاء الروحي من جانبها، قالت د. منى الغامدي إنه في رمضان يتوقف الزمن ليفسح مجالاً كبيراً لتحلق الروح عالياً وتسمو بعيداً عن رغبات الجسد وانشغالاته المادية بغير أداء الفرائض والعبادات، بعيداً عن إيقاع الحياة المتسارع، وعن انشغالات الفكر بغير التأمل الوجداني في آيات القرآن حيث الروح تجد متنفسها الحقيقي في هذا الشهر من كل أعباء الحياة وضوضائها. وتابعت: “يمتد تأثير هذا الشهر الروحاني ليصل إلى خلق أجواء ملهمة للكتابة والقراءة، خاصة في الساعات الأخيرة من الليل، فلا غنى لي وقتها عن مراجعة فصول من بحث، أو مشاكسة شخوص رواية لم أنته منها، أو كتابة قصة قصيرة، أو حتى خاطرة، بل قد أجد شغفاً كبيراً لكتابة بحث كامل، يدفعني لذلك هذا الصفاء والنقاء الروحي الذي يصاحب الأجواء الدينية في رمضان عادة، وربما كانت أفضل أفكاري النقدية وأجمل الكتابات القصصية ولدت في هذا الشهر المبارك”. شهر الخير والبركة واعتبر الأستاذ سعد عبد الله الغريبي رمضان شهر الخير والبركة، وقال: “فيه أجد الوقت يتسع أمامي ويوفر لي ما لا يتوافر في غيره من الشهور، خاصة أنني أنظم وقتي وأرسم برنامجي بدقة، وأوزعه بين الواجبات الدينية والأسرية والاجتماعية. ومما يساعدني على ذلك أني أحرر نفسي من المهمات التي يمكن تأجيلها لما بعد الشهر الفضيل، ولا أنشغل خارج البيت مع الأصدقاء، إلا ما كان من مناسبات ثقافية كمعرض الكتاب الخيري الذي يقيمه نادي الرياض الأدبي هذه الليالي. ومما يساعدني على الاستفادة من وقتي أنني لا أتابع البرامج الرمضانية التي تبثها القنوات التلفازية، كالمسلسلات والمباريات والمسابقات. أتابع بعض البرامج الحوارية الهادفة فحسب. أنام ست ساعات بعد صلاة الفجر فأستيقظ في العاشرة والنصف صباحا، وتكون هذه الفترة لمطالعة الفيسبوك وتويتر والبريد الإلكتروني والصفحات الثقافية - فقط - في صحفنا المحلية في مواقعها الإلكترونية. بعد صلاة الظهر هناك ساعة واحدة للقيلولة، وبعد العصر لنشرات الأخبار، ثم قراءة جادة في كتاب مختار. بعد المغرب فترة مخصصة للأسرة، وبعد العشاء قراءة وكتابة، يتخللها مشاهدة بعض البرامج التلفازية الحوارية، ونشرات الأخبار إلى قرب ساعة السحور. وغالباً ما تتوجه قراءاتي في الشهر الكريم - فضلاً عن القرآن الكريم وتفسيره - لبعض الكتب الدينية والتراثية”. فعاليات ثقافية وأشارت الأستاذة علا العلوي إلى أن شهر رمضان له أهمية خاصة فمنذُ قديم الأزل ودور الثقافة في عدة بلدان تمثل حين ذاك من خلال الحكائين (الحكاواتي) حيث يحرص الصغار والكبار على الجلوس حوله في حلقات، والاستماع إلى القصص التي يرويها وتضفي عليهم البهجة، وغالباً ما تتناول قصص الأنبياء والصحابة والتابعين. وواصلت: “أما في المملكة العربية السعودية فهذا الشهر المقدس تبرز فيه التقاليد والثقافة بشكل عميق باعتباره شهر معظم في التاريخ الإسلامي حيث التجدد الروحي والترابط المجتمعي للمسلمين في جميع أنحاء المملكة فالأجواء فريدة من نوعها، على صعيد التكافل والعطاء من خلال الصلوات وعلى الأخص صلاة التراويح، ومن ثم يأتي دور الثقافة المتمثلة بأنشطة وفعاليات جهود وزارة الثقافة في التعريف بالثقافة السعودية الأصيلة عبر طرق متنوعة ومبتكرة تُتيح تسليط الضوء على الموروثات الأدبية ونشرها لدى كافة شرائح المجتمع، لخلق بيئة تدعم الإبداع وتسهم في تناميه، حيث تنظم فعاليات موسم رمضان في 14 مدينة تتوزع على عشر مناطق من مناطق المملكة وأكثر من 38 موقعاً، انطلاقاً من مدينة جدة باعتبارها بوابة الحرمين الشريفين، والتي تتنوع فعالياتها بين باب البلد مركاز الألعاب الشعبية، والفنانين والحرفيين إضافةً إلى معارض لتاريخ جدة، وترميم المساجد التاريخية، وطباعة المصحف والمطاعم الشعبية”. وتابعت: “ومن ضمن الفعاليات التي يتضمنها موسم رمضان الجهود المتنوعة لتنمية الحِراك الأدبي، وتعزيز ثقافة الحوار الشعري، حيث تعد الأمسيات الشعرية منابر أدبية هامة تستقطب شريحة كبيرة من المجتمع من متذوقي الشعر، في خطوة داعمة وبنّاءة نحو تعزيز الاهتمام بالشعر ونشر ثقافته باستضافة نخبة من الشعراء والشاعرات لإثراء الأمسيات الشعرية بالمحتوى الإبداعي مما ينتج عنه تعزيز التواصل بين الأدباء والمجتمع ومصدراً لروائع أدبية ذات موقع راسخ في الحضارة الإنسانية”. ---- أيام معدودات سألنا أ.د إبراهيم بن مبارك الجوير عما يعنيه له شهر رمضان فأجاب: «شهر قصيرة أيامه معدودات. شهر القرآن الكريم شهر من فرط فيه فهو لما سواه أكثر. لو عشنا مع القرآن لوجدنا حلاوة الذكر. دعونا نقرأ القرآن ونتدبر ونتعلم ونتأمل ونحاول أن نبدأ حياتنا من جديد بالقرآن وللقرآن، ومع القرآن سنجد في كل آية علماً وشفاءً ونوراً. هكذا ينبغي أن تكون أيامنا وليالينا في رمضان. يكفي تفريطاً، ومن ذلك صلة الرحم والتواصل مع الناس وبذل المعروف. تقبل الله منا ومنكم». ------ سكينة وطمأنينة وتواصل ولدى سؤال د. حكيمة الحربي عن كيفية قضاءها لأيام وليالي رمضان أجابت: «رمضان تهب علينا نسائم روحانيته، ونعيش مع أيامه الطمأنينة والسكينة وقد تغذت الروح بمعاني القرآن، ونحن نستعذب ترتيله ليعم السلام ويسكن أرواحنا. نستغل كل لحظة للاستزادة من العبادات والطاعات، ونجد أنفسنا مستظلين بظل ودفء العائلة ونحن نحيط مائدة الافطار التي جمعت قلوبنا قبل أجسادنا بهذا الشهر الكريم، لنتشارك الإفطار معاً. ولابد من متابعة بعض البرامج الخفيفة الرمضانية التي تتناسب مع روحانية هذا الشهر، وبعد صلاة التراويح نصل بعض الأقارب ونلتقي ببعض الصديقات المقربات. تقبل الله من الجميع صالح الأعمال». ------- قراءة مكثفة وتوجهنا بسؤال للأستاذ صلاح بن هندي حول كيفية قضاء وقته في هذا الشهر الفضيل فأجاب قائلاً: «لأن دوامي مسائي يبدأ من الساعة الثامنة والنصف حتى الواحدة والنصف، فإنني في شهر رمضان من كل سنة، أدخل مكتبتي بعد صلاة الفجر وأظل أقرأ في كتب التفسير وكتب التاريخ الإسلامي لاسيما في العصر الراشدي وما دار فيه، وتاريخ علم الكلام وما دار بين الفرق الإسلامية من صراعات فكرية وعقدية حين أثرت آراء بعض أبناء غير العرب في العقل الإسلامي أيام الأمويين، كما كان تأثير كتب الفلسفة التي ترجمت إبان عصر المأمون قوياً جداً، أيضاً أحرص على مشاهدة المسلسلات التاريخية في فترة الظهيرة أو وقت الإعادة، كما أقضي أوقاتي يومي الجمعة والسبت بين الأهل وزيارة بعض الأصدقاء». --- سباق مع الوقت وسألنا الأستاذة جمال السعدي عن طقوسها الرمضانية فأجابت: «أيام رمضان أيام مباركة وتمضي سراعاً، لهذا يحرص المسلمون على التزود من بركاته قدر الاستطاعة، وفي سباق مع الأيام نحيي أيامه ولياليه بالذكر والصلاة وتلاوة القرآن والقيام بالواجبات المنزلية والواجبات العائلية من تزاور وتراحم، وتميل النفس في هذه الأجواء الفضيلة لتدبر القرآن الكريم وللقراءة في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسير وتراجم الصحابة الأجلاء والصحابيات الجليلات الذين سطروا لنا المجد ونقلوا إلينا المعرفة بالدين، قال تعالى: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [ البقرة: 197]». ---- ترتيب الأوراق ولدى سؤال د. عبدالرحمن إبراهيم العتل عن أجواءه الرمضانية أجاب بالقول: «رمضان شهر الخير بل شهر الإنجازات إذا استغله المثقف في ترتيب أوراقه وإعداد بعض نتاجه ليراجعه أو ينتج جديداً. عادة يبدأ يومي بعد صلاة الفجر بقراءة القرآن قراءة تدبر وفهم نصف ساعة ثم أخذ راحة للحادية عشرة، وبعده الاستعداد لصلاة الظهر والجلوس بعدها لقراءة القرآن وكذلك بعد صلاة العصر، أما المغرب فبعد الإفطار الجلوس مع الأهل، وبعد صلاة التراويح أجلس ساعة لتناول القهوة والشاي، ثم أتفرغ للقراءة الحرة أو الكتابة أو مراجعة بعض ما كتبت. عند الثانية عشرة ليلا أخلد للنوم حتى وقت السحور. وهكذا بقية أيامي».