د. ساعاتي معقباً على د. الزيلعي..

الدولة السعودية كيان واحد متجذر في التاريخ .. وليست دولتين ولا ثلاث دول .. وهذا هو الدليل !!

يجدر بي ابتداء أن أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين القائد الملهم الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – بمناسبة يوم التأسيس .. مبتهلا الى المولى عز وجل أن يديم على هذه البلاد المباركة كريم نعمائه وأن يحفظ بحفظه ولاة أمرنا قادتنا العظماء وشعبنا الوفي . ولقد أطلعت على المقال الذي كتبه العلامة التاريخي الكبير واستاذ التاريخ الضليع الأستاذ الدكتور أحمد زيلعي في مجلة اليمامة وذهب فيه الى القول بأن الدولة السعودية دولتان .. والدكتور الزيلعي فضلا عن علمه الواسع شخصية محبوبة جداً أعرفه منذ زمن طويل وتزاملنا في مجلس الشورى وأعتز به كثيرا .. ولكنني أختلف معه فيما ذهب إليه . فهو يرى أن الدولة السعودية دولتان .. الأولى سقطت في عهد الإمام عبدالله بن سعود وبدأت دولة ثانية في عهد الإمام تركي بن عبدالله .. وأعتبر دخول الملك عبدالعزيز الى الرياض وتسليمه الحكم لوالده الإمام عبدالرحمن آل سعود الذي تنازل عن الحكم لإبنه الملك عبدالعزيز استمرار للدولة الثانية . فيما يذهب البعض إلى القول بأن هناك ثلاث دول سعودية: •الدولة السعودية الأولى التي تأسست عام 1727م على يد الإمام محمد بن سعود في الدرعية. •الدولة السعودية الثانية التي تأسست عام 1824م على يد الإمام تركي بن عبدالله آل سعود. •الدولة السعودية الثالثة التي بدأ تأسيسها عام 1902م عندما استعاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الرياض، وتوّجها بإعلان المملكة العربية السعودية عام 1932م. ولكنني أختلف تمامًا مع هذا الرأي، وأعتبره خطأً تاريخيًا يحتاج إلى تصحيح، إذ إن المملكة العربية السعودية كيان واحد متصل عبر التاريخ، وليس ثلاث دول منفصلة. فمن منظور الهوية والتاريخ السياسي، تُعدّ المملكة امتدادًا طبيعيًا للحكم السعودي الذي بدأ في القرن الثامن عشر، حيث قامت الدولة على أسس دينية وسياسية متينة، وظل الحكم متوارثًا داخل أسرة آل سعود دون انقطاع، رغم تعرّض الدولة لمراحل سقوط مؤقت. دولة واحدة مرت بمراحل ولم تتغير هويتها الدولة السعودية لم تنشأ ثم تختفِ ثم تنشأ من جديد كدول منفصلة، بل مرت بمراحل تاريخية متتابعة، شهدت سقوطًا لأسباب مختلفة، لكنها كانت دائمًا تعود أقوى، حتى وصلت إلى الوحدة الكبرى التي تحققت على يد الملك عبدالعزيز آل سعود. فالتاريخ يثبت أن سقوط الدرعية في 1818 لم يكن نهاية الدولة، بل كان مرحلة من الصراع السياسي، وكذلك سقوط الرياض عام 1891 لم يكن سوى عقبة مؤقتة سرعان ما تم تجاوزها بإعادة بناء الدولة . إن المملكة العربية السعودية اليوم هي الامتداد الطبيعي لهذه المسيرة التاريخية، فقد ظلت الأسرة الحاكمة هي أسرة آل سعود، والشعب هو الشعب السعودي الوفي، ولم يكن هناك أي انقطاع في الهوية السياسية، بل كان هناك استمرار طبيعي مع تجدد في القوة والوحدة. الدليل القاطع على وحدة الدولة السعودية عبر التاريخ إن أكبر دليل على أن الدولة السعودية واحدة عبر التاريخ وليس هناك ثلاث دول منفصلة هو احتفال المملكة بيوم التأسيس، الذي أقرّته القيادة الرشيدة ليكون عام 1727م هو نقطة الانطلاق الحقيقية للدولة. فهذا يؤكد أن جميع المراحل اللاحقة لم تكن إنشاءً جديدًا لدولة مختلفة، بل استكمالًا لمسيرة واحدة بدأت منذ ثلاثة قرون. وعندما يستخدم البعض تعبير «الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة»، فإن ذلك تعبير مجازي فقط، ولا يعني أن هناك دولًا منفصلة، بل يشير إلى مراحل تاريخية مرت بها الدولة السعودية دون أن ينقطع نسيجها السياسي والاجتماعي. ولذلك، فإن تصنيفها على أنها ثلاث دول منفصلة يعد خطأ تاريخيًا يجب تصحيحه في المناهج الدراسية والكتب التاريخية، بما يتماشى مع الواقع السياسي والهوية الوطنية الراسخة. الدولة السعودية.. تلاحم القيادة والشعب إن نشأة الدولة السعودية واستمرارها يتوافق مع نظرية التطور التاريخي، حيث تنشأ الدول من خلال تفاعل مجموعة من العوامل الأساسية، وأهمها: •الهيئة الحاكمة، وهي في جميع المراحل أسرة آل سعود المباركة. •الشعب السعودي الوفي، الذي ظل متمسكًا بآل سعود ولم يقبل بحكم غيرهم. بل إن فترات السقوط لم تكن سوى تجسيد لتعزيز التلاحم الوطني والتجديد المستمر للدولة بقيادتها السعودية وشعبها الأبي، مما جعلها أكثر قوة وثباتًا. فالقيادة والشعب يشكلان وحدة متماسكة، أثبتت عبر الزمن أن الدولة السعودية ليست مجرد نظام حكم، بل هي هوية وطنية متجذرة في وجدان أبناء الجزيرة العربية. كلمات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد تجسد العمق التاريخي وفي هذا السياق، نقتبس كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله، التي تجسد عمق الامتداد التاريخي للدولة السعودية: «نعتز بذكرى تأسيس هذه الدولة المباركة قبل ثلاثة قرون، على الأمن والعدل والعقيدة الإسلامية الخالصة، ولا زال نهجًا راسخًا منذ ذلك الحين في وطن يتقدم إلى الريادة في مختلف المجالات.» كما نقتبس كلمات سمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان بمناسبة يوم التأسيس التي قال فيها : « لدينا عمق تاريخي مهم جداً موغل في القدم ويتلاقى مع الكثير من الحضارات ، الكثير يربطون تاريخ الجزيرة العربية بتاريخ قصير جداً والعكس اننا أمة موغلة في القدم « . آراء المؤرخين العالميين لقد أقر العديد من المؤرخين والمفكرين العالميين بوحدة الدولة السعودية عبر التاريخ، ومن بينهم: المؤرخ البريطاني روبرت ليسي، في كتابه المملكة من الداخل، حيث قال: «إن الدولة السعودية منذ نشأتها الأولى كانت تسير وفق رؤية واضحة تهدف إلى تأسيس كيان سياسي قوي ومستقر في الجزيرة العربية، ورغم التحديات التي واجهتها، فإن آل سعود لم يفقدوا شرعيتهم، بل ظلوا محور الحكم والقيادة في المنطقة.»  المؤرخ الأمريكي جون دوفر، في كتابه تاريخ الجزيرة العربية الحديث، حيث أكد: «إن سقوط الدرعية لم يكن نهاية الدولة السعودية، بل كان مجرد انقطاع مؤقت في مسيرة سياسية متصلة، أثبتت قدرتها على الاستمرار والتجدد.»  المفكر الفرنسي جاك بيرك، قال في إحدى محاضراته عن تاريخ الشرق الأوسط: «إن سر قوة الدولة السعودية يكمن في استمراريتها عبر الأجيال، فبينما سقطت إمبراطوريات ودول عديدة، استطاع السعوديون إعادة بناء دولتهم مرات عدة، مما يدل على عمق التجذر السياسي والاجتماعي لحكمهم.»  الباحث والمؤرخ الروسي أليكسي فاسيلييف، في كتابه تاريخ المملكة العربية السعودية: «لم تكن هناك ثلاث دول سعودية منفصلة، بل كانت هناك دولة واحدة مرت بمراحل مختلفة من التحديات السياسية والعسكرية، لكنها ظلت قائمة في جوهرها، ولم يخرج الحكم السعودي عن مساره الأساسي.» لخاتمة: السعودية.. كيان تاريخي لا يتجزأ إن المملكة العربية السعودية لم تكن يومًا إلا دولة واحدة مرت بتحديات لكنها عادت أقوى في كل مرة، وبهذا تظل رمزًا للاستقرار والوحدة والتلاحم الوطني. وعلى هذا الأساس، فإن تصحيح المفاهيم التاريخية حول نشأة الدولة السعودية هو مسؤولية وطنية، لضمان أن تفهم الأجيال القادمة حقيقة تاريخ دولتهم العريق، كدولة واحدة لم تنقطع جذورها عبر الزمن.