شُـكراً على اختياركم «السعودية»!؟

الخطوط الجوية العربية السعودية “السعودية” تتقاطع مسيرتها وخدماتها الجوية مع كُلّ مَن سَكَن المملكة مُنذُ أول رحلة جوية لها قبل حوالي ثمانين عام، ويتعامل معها الجميع مِن موظف حكومي وقطاع خاص ومُبتَعَث وغيرهم. التذاكر الحكومية !! فعلى سبيل المثال، مُعاناة الموظَفين الرسميين، سواءً كانوا في وزارات أو هيئات أو طلبة مُبتَعثين، مع تذاكر السفر التي تُصرَف لهم في مُهِمَّة رسمية أو للابتعاث تعود إلى عشرات السنين؛ حيث أنَّ هذه التذاكر يجب أنْ تكون على “السعودية” حتى أقرب مطار لوجهة السفر للموظف أو للمُبتَعَث. فعلى سبيل المثال، في نهاية السبعينات الميلادية بعد اتفاق “السعودية” مع شركة بان أمَريكان Pan American آنذاك لتسـيير رحلة مِنْ مطار كينيدي بمدينة نيويورك إلى مطار الظهران، وذلك قبل بدء “السعودية” تسـيير رحلاتها إلى أمريكا؛ كان على المبتعثين عند سَفَرِهم إلى المملكة الوصول إلى مطار كينيدي لركوب طائرة بان أمَريكان إلى مطار الظهران. وعند العودَة مِن المملكة إلى أمريكا، يتوجب على المبتعثين الوصول مِن مُدُن إقامتهم بالمملكة إلى مطار الظهران لأخذ رحلة بان أمَريكان إلى نيويورك، ومِن مطار نيويورك عليهم أخذ طائرة أُخرى أو أكثر للوصول إلى مكان دراستهم. هذه الرحلات الجوية ذهاباً وإياباً قد تأخذ من الطالب الذي يَدرُس في غرب أمريكا حوالي 24 ساعة بين طيران وانتظار وتغيير رحلات. كُلّ ذلك لأنَّ الطالب المُبتَعَث مُجبَر على استخدام “السعودية” حتى آخر محطة تطير لها “السعودية”. وحتى الآن لم يتغيَّر شيء على الطلبة الدارسين في أمريكا، حيث يَتوَجَب عليهم الوصول إلى مطار دالاس قُرب العاصمة واشنطن أو مطار كينيدي في نيويورك أو مطار لوس أنجلس (خلال الصيف) لأخذ رحلة “السعودية” إلى الرياض أو جَدَّه، ثُمَّ إلى مطار المدينة التي يدرسون فيها، والعَكس في رحلة العودَة. ولطالما تَحَدَّثنا آنذاك كَطَلَبة، لماذا لا يُعطينا المُلحَق الثقافي قيمة تذكرة الطيران ونَتَدَبَّر أمر الحجز بأنفُسنا، بدون إزعاج موظفي المُلحَق الثقافي أو المكتب السياحي الذي اتفقَ معه الملحق لاحقاً. ولازال السؤال صالحاً لإعادة طَرحه اليوم: لماذا لا يَصرِف المُلحَق الثقافي في أمريكا للطالب المُبتَعَث أو الجهة الحكومية للموَظَّف في مُهِمَّةٍ رسمية، قيمة التذكرة المُستَحَقَّة ليَتَدَبَّر بنفسه أمور الحجز ومشاكله !؟ منصَّة اعتمـاد !! الموضوع لم يَتَوَقف هُنا، بل زاد تعقيداً بيروقراطياً في زمن رؤية 2030 التي تَهدِف إلى القضاء على البيروقراطية غير الضرورية. حيث اسـتَجَد في الموضوع ظهور منَصَّة “اعتماد”. في هذه المنَصَّة التي يُسَجِل فيها الموظف الحكومي أو شبه الحكومي ويُدخِل فيها رقم المُهِمَّة الرسمية، ليقوم موظفي هذه المنَصَّة (أو المكتب السياحي المُعتَمَد لدى المنصَّة) باختيار خط السير لهذا الموظف المسكين دون أن يستشيروه بشأن خط سير الرحلة. طبعاً، بإمكان الموظف الاتصال بمنَصَّة “اعتماد” والتوَسُّل إليهم باختيار خط سير قصير أو قليل الوَقَفات والانتظار في مطارات الترانزيت. ولكن هذا يعتمد على حظِّه !! السؤال الذي يدور بين جميع الموظفين الحكوميين الذين تَصدُر لهم تذاكر سفر في مهمة رسمية والطلبة المبتعثين: لماذا لا يُعطى الموَظَّف أو المُبتَعَث قيمة التذكرة إلى مدينة مُهِمَّته الرسمية، وهو حُرّ كيف يَصِل إلى هناك، بالطائرة أو حتى بالدراجة الهوائية !!؟ بمعنى آخر، وفي ظِلّ سهولة الحَجز على مواقع الإنترنت وتطبيقات الهاتف الجوال، لماذا لا تُودِع الجهة الرسمية التي سَـتُرسِل مُوَظَّفها في مُهِمَّةٍ رسمية قيمة التذكرة في حسابه البنكي، وتُبعِد نفسها عن صُداع حُجوزات الطيران وإصدار تذاكر وحسابات مالية مع “السعودية” أو وكلاء السفر والسياحة، وبالتالي تترُك هذا الموضوع ومشاكِله على ذلك الموظف أو المُبتَعَث. والسؤال المُهِمّ هُنا فيما يتعلَّق بصَرف تذاكر سفر الموظفين الحكوميين هوَ: هل هناك دراسة لجدوى إنشاء منَصَّة “اعتماد” بميزانيتها السنوية وموظفيها، مُقارَنَةً بتكاليف تطبيق اقتراح صَرف قيمة تذكرة الطيران مُباشَرَةً للموَظف ليَتَدَبَّر أمر سَـفَرِه بنفسِه، بعيداً عن أي تَدَخُّل بيروقراطي !!؟ والسؤال الذي سَـيبرُز قريباً هوَ: عندما يبدأ طيران الرياض خدماته نهاية عام 2025، ماذا سيحدُث لشَرط ضرورة سَفر الموظفين الرسميين في مُهمات رسمية والمبتعثين على “السعودية” !؟ هل سيُخَيَّر الموظف الحكومي بين “السعودية” وطيران الرياض !؟ أم أنَّ “منصة اعتماد” ستقول للموظف: “حِنَّا أبخَص” !!؟ حرام ... حرام ... حرام !؟ ولكن السؤال المُهِمّ جداً بشأن “السعودية” هو: لماذا الإصرار على دعمها بإجبار جميع الموظفين الرسميين وطلبة الابتعاث على السفر معها، وذلك في ظِل ارتفاع أسعار تذاكرها وعَدَم مواكبتها للخطوط الأُخرى في الرحلات المباشرة بين الرياض والدول الأُخرى !؟ وحتى يَقِف القارئ الكريم على أهمية هذا السؤال، ما عليه إلاَّ زيارة موقع طيران فلاي ناس www.flynas.com أو طيران ويز www.wizair.com ، ليرى بأُم عينيه عدد المطارات الدولية التي تخدمها هذه الشركات انطلاقاً مِن مدينة الرياض، أو الخطوط التركية من جانب عدد المطارات التركية التي تخدمها من مطارات المملكة، وذلك مُقَارَنَةً “بالسعودية” التي أصبَحَ كثيراً مِنْ رحلاتها الدولية تبدأ من مطار الملك عبدالعزيز بجَدَّه، وبالتالي أجبَرَت كثيراً من مُسافري مدينة الرياض على حسابهم الخاص على اختيار خطوط خليجية أو غير خليجية للسفر دولياً، وذلك لتَجَنُّب التأخير بالمرور عبر مطار جَدَّه وساعات الانتظار، إضافةً إلى انخفاض أسعار تذاكر تلك الخطوط مُقَارَنَةً “بالسعودية” في أحياناً كثيرة. لذلك، لا غرابة أنْ يَختِم الرئيس التنفيذي الإنجليزي لطيران الرياض السيد توني دوجلاس إجابته في إحدى لقاءاته مؤخَّراً، بشأن مُعاناة المسافرين من العاصمة الرياض إلى المُدُن العالمية، بهذه الكلمات الثلاث باللغة العربية: “حرام ... حرام ... حرام”. حيث أشار في تعليقه إلى أنَّه بناءً على جنسية المسافرين في الدرجة الأولى والأعمال، يحتلّ السعوديون المركز الأول على الخطوط القطرية والمركز الثالث على طيران الاتحاد، مما يؤكِّد حقيقة تسويقية مؤلمة لتاريخ “السعودية” في فَشَلِها التسويقي الذريع عبر عشرات السنين لجَذب المُسافرين على رحلاتها، بل أنَّها طَرَدَت المسافرين السعوديين إلى خطوط الطيران الخليجية التي نشأت بعدها بعشرات السنين وذلك بسبب ارتفاع أسعار تذاكرها وعدم توفيرها رحلات مباشرة بين الرياض والمُدن العالمية !! استراتيجية «السعودية» في التسعير وطالما تَعرَّضنا لخطوطنا العزيزة “السعودية”، وجُملتها التاريخية على مَتن طائراتها: (“شُكراً على اختيار “السعودية”)، فلا بأس من التطرُّق لموضوع أسعار تذاكر “السعودية”. فالغريب في أمر “السعودية” مِن جانب تسعير تذاكرها للأفراد أنَّك تستطيع شراء نفس التذكرة من تطبيقات السفر والسياحة على الإنترنت (إكسبيديا، بوكينج، ...) أرخص مِن شرائها على موقع الخطوط السعودية !! وقد يُمكِن تفَهُّم هذه الاستراتيجية للتذاكر الدولية على “السعودية” بهدَف زيادة مبيعاتها، ولكن لا يُمكِن تَفَهُّم ذلك لتذاكر الرحلات الداخلية. وحتى لا نَظلِم “السعودية”، سوف نقارنها مع شركة طيران ساوث وست Southwest Airlines الأمريكية الشهيرة، التي “اخترعت” فكرة الطيران الاقتصادي قبل أكثر من نصف قرن، وذلك فيما يتعلَّق بالتسعير والتعامُل مع تطبيقات السفر والسياحة. حيث تملك شركة طيران ساوث وست 800 طائرة نَقَلَت 137 مليون راكب، مُقابل 188 طائرة “للسعودية” نَقَلَت 30 مليون راكب عام 2023م. ومع ذلك، لا تبيع شركة طيران ساوث وست تذاكرها للأفراد عبر تطبيقات السفر والسياحة؛ مما مَكَّنها مِن إعطاء أسعار أقل مِن الخطوط الأخرى وبخدماتٍ أفضل في رحلاتها داخل أمريكا. في حين نَجِد أنَّ خطوطنا العزيزة “السعودية” تتمَيَّز بأسعار مرتفعة على موقعها، مُقارَنَةً بتطبيقات السفر والسياحة، وأسعار أعلى نسبياً مِن طيران فلاي ناس وفلاي أديل؛ بل بأسعار مُبالغاً فيها عندما نُقارِن تكلفة ساعة الطيران للمُسافر. فقد سافرت شخصياً على شركة طيران في أمريكا في رحلة ذهاب وإياب مُدتها أربع ساعات في كُلِّ اتجاه بقيمة 1500 ريال مع مقعد في مُقَدِّمَة الطائرة على الدرجة السياحية، حيث اشتريت التذكرة قبل السفر بثلاثة أيام فقط؛ في حين سافرت على رحلة 45 دقيقة من الرياض إلى الدمام ذهاب وإياب بقيمة 1200 ريال اشتريت التذكرة قبل يومين !! ولا يخفى على المُطَّلعين حقيقة ارتفاع تكاليف موظفي قطاع الطيران في أمريكا ووجود ضرائب على دَخل الموظفين هُناك وكذلك ضرائب على شركات الطيران، في حين لا توجَد هذه التكاليف في المملكة، ولله الحمد. وقد يتساءل القارئ الكريم ماذا عن أسعار تذاكر شركتي فلاي ناس وفلاي أديل على الرحلات الداخلية في المملكة، ألَيسَت أقل من “السعودية” بكثير !؟ والإجابة أنَّ مستوى أسعار تذاكر هاتين الشركتين ليست ببعيدة عن أسعار “السعودية”، والسبب في ذلك، بناءً على عِلم الاقتصاد، يعود إلى حقيقة أنَّ “السعودية” ــ بحُكم ضخامتها ــ تقوم بدور “صانع السعرPrice Maker “ في سوق الطيران الداخلي، في حين يقوم طيران فلاي ناس وفلاي أديل (المملوكة “للسعودية” !!) بدور “تابعوا السعر Price Followers”. حيث لا يوجد أي حافز لطيران فلاي ناس أو فلاي أديل لتخفيض أسعارهما بدرجةٍ كبيرة طالما أنَّ الشركة العملاقة “السعودية” تبيع بهذه الأسعار المرتفعة. ولكن هُناك استفسار بسيط تعود أهميته للهيئة العامة للمنافسة: إنْ كان كُلاً مِنْ “السعودية وفلاي أديل شركتين مستقلتين، هل قامت الهيئة بالتدقيق فيما إذا كان هناك تنسيق بين “السعودية” وشركة فلاي أديل بشأن تسعير تذاكر الطيران الداخلي والدولي !؟ المؤلم في موضوع الأسعار المرتفعة لتذاكر “السعودية” في أنَّها تُغفِل الدور الاقتصادي التنموي المُهم لها بين مناطق المملكة الثلاثة عشر للمواطنين والسائحين من خلال تقديم أسعار منخفضة تُشجِّع على السياحة وربط هذه المناطق بعضها ببعض. وهذه الحقيقة التنموية الاقتصادية المُهِمَّة جداً قامت بها شركة طيران “الإمارات” في إمارة دبي على أكمل وجه مُنذُ بداية “رحلة التنمية” في دبي مَطلع 1980م، حيث رَبَطَت مدينة دبي بغالبية مُدُن العالم المُهِمَّة وتَرَبَّعَت على قِمَّة شركات الطيران العالمية؛ وهي الحقيقة التي أشار إليها بطريقٍ غير مباشر الرئيس التنفيذي لطيران الرياض في مَعرِض إجابته المُشار إليها سابقاً. ختاماً، “شُكراً على اختياركُم السعودية” !!