«شارع الأعشى» كشف عن تطور في ذهن المجتمع.

من يمتلك ذاكرة عقود مضت بكل أحداثها ومنعطفاتها وتقلباتها يدرك جيداً مقدار ما تحوّل في أدوات التفكير المجتمعي. بعد سنوات طويلة من شيوع ثقافة الشك والموت والسلبيّة والتوتّر.. ها هي اللحظة التي تقفز فيها ثيمات (الحب، واللطف، والسلام، والعفوية...إلخ) لتصبح هي المشهد الرئيسي في التعاطي الجمعي اليومي. مسلسل “شارع الأعشى” انتزع صدارة المسلسلات العربية جميعها هذا العام، ولكن ليس هذا موضع الإثارة في الموضوع، بل في تحول حكايات الحب في المسلسل إلى “ترند” يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي. هكذا أفقنا على مجتمع جديد كلياً وآخذٍ في التطور التدريجي في تعاطيه مع الحياة. مجتمع باتت تجذبه حكايات الحب، مجتمع يميل إلى السلميّة والإيجابية والتصالح مع الذات والحياة. إنها أوضح الدلالات على حصول تطور ملحوظ.. إدراكياً وروحياً. هناك عدّة عوامل ساعدت في إيصال تلك الحالة الجمعية من التفاعل إلى أقصى مدى: • المسلسل يحكي فترة السبعينات الميلادية، وهذا منح العمل عنصر النوستالجيا الساحرة التي أخذت القلوب إلى تلك الحقبة التي تشكل ذاكرة مجتمع بأكمله. • السردية الدرامية متماسكة، والحوارات عميقة بما يكفي لتشكيل حكاية جاذبة. • هناك اشتغال ملحوظ على العنصر البصري في العمل. حيث تم بناء مدينة متكاملة لتصوير بعض أجزائه، ويقال إن تكلفته بلغت 52 مليون ريال، ولا أعلم عن صحة المعلومة. إلا أن العنصر البصري في العمل والذي يتكئ على إبراز ثيمات حقبة السبعينات قد أضاف كمية أخرى من التشويق والجاذبية على العمل. كافة تلك العوامل تنتظم في الخيط الرئيس للحكاية، وهي قصة الحب المبتور الذي نجح في إيصال المشاهد إلى أقصى حالات التوتّر ثم الرجوع به إلى نقطة البداية من جديد. إلا أن خلاصة القول في هذا المسلسل النوعي هو أنه كشف عن تطور ملحوظ في أعماق البنية التحية للذهن الجمعي. هذه البراءة الجماعية في تلقي حكايات الحب في مسلسل تلفزيوني لا يمكن أن تعبر دون التوقف للحظة تأمل، ثم المصادقة على ما قاله سمو ولي العهد: “نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه قبل عام 79”. حسناً.. يمكنني الزعم بأن البراءة والإيجابية الملحوظة في تلقي حكاية حب “شارع الأعشى” هي صورة صادقة لبراءة المجتمع وعفويته في التلقي قبل عام 1979 أي أننا ربما قد نجحنا فعلاً في العودة والتخلص من أدوات التفكير السلبي، ولكن بصمت وهدوء، وتدريجياً.