
التوسع الذي نشاهده ونفخر به في برامج التوطين في مجالات عديدة يستدعي أولا تقديم الشكر لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بجميع كياناتها وموظفيها، وأيضا للمنشآت والمواطنين المتجابين والمبادرين لتحقيق رؤية سمو ولي العهد، يحفظه الله، لتقليل مستهدف نسبة البطالة من 7% الى 5% عام 2030، فهذا سوف يساعد على تحقيق النجاح حين احتضان الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 (تروجينا) بمدينة نيوم في نسختها التاسعة من دورة الألعاب الآسيوية الشتوية (أول مدينة في غرب آسيا تفوز باستضافة الألعاب الآسيوية الشتوية)، اضافة الى اكسبو 2030، وكاس العام 2034. وهذه المناسبات الكبرى سوف تعكس قدرات ومقدرات الممكلة بالذات قدرات شباب وشابات الوطن حين العمل بجد واجتهاد في جميع القطاعات المكرسة لإنجاح هذه المناسبات العالمية. وبما اننا عبر هذه السلسلة من المقالات، في مجلة اليمامه، نسعى الى معرفة مجالات التوطين النوعي الذي يستهدف مجالات كثيفة للعمالة حاليا مثل محطات الوقود، اومرشحة للتوسع في العرض مستقبلا، في هذا المقال نقف عند احد الممكنات للتوطين النوعي، وهنا نقصد ضرورة تبني انشاء وتفعيل (مرصد وطني للتوطين النوعي) يستثمر الأدوات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي في قراءة وتحليل البيانات للمنشآت لتحقيق استراتيجية سوق العمل. وهذا المرصد أرى انه ضرورة بعد تعقد رحلة التوطين وبروز حقائق وتحديات جديدة بالذات بعد إقرار نسبة التوطين الجديدة المستهدفة، فهذه النسبة الجديدة لن نستطيع الوصول اليها في الرياض فقط، بل في جميع مدن المملكة التي غالبا يندر فيها التنوع المهني والوظيفي. لذا ولكي لا نضطر الشباب للهجرة للمدن الرئيسية بحثا عن العمل، نحتاج تبني المبادرات النوعية للسعودة، بعد ان اتضح على ارض الواقع صعوبة التوطين في قطاعات مثل المقاولات او المصانع الصغيرة الموجودة في المناطق الصناعية في اطراف المدن، وغيرها. وهنا اود الاشارة بان العديد من المهن المطلوب سعودتها 100%، او المنشات التي يتطلب لها نسب سعودة مثل مهن الخدمات والمطاعم، هذه يصعب وجود اعداد عاملة سعودية كافية، ناهيك عن تغطية فرص وظائف الصيدليات (تناولنا وضعها في مقالة سابقة بتاريخ 7/8/2024). ما يطرحه الخبراء في التكنولوجيا اوالذكاء الاصطناعي يشير إلى انه قد يساهم في برنامج التوطين عبر المسارات التالية: *الذكاء الاصطناعي يدعم التوطين النوعي في تحليل المهارات للمهن ومدى مطابقتها لبيانات المرشحين للوظائف اثناء التسجيل للموظفين الجدد في الوظائف المعلن عنها. *توفير ادوات الارشاد المهني القائمة على الذكاء الاصطناعي لاقتراح المسارات المهنية وبرامج التدريب المقترحة واقتراح فرص العمل للباحثين عن عمل او المرشحين المناسبين بعد كتابة مواصفات المهنة اثناء الاعلان عنها. *تحليل الحاجة إلى تحسين المهارات اوإلى اعادة التدريب من خلال منصات التعلّم الالكتروني لمساعدة الباحثين عن عمل في اكتساب المهارات المطلوبة في سوق العمل. *تحليل التنبؤات المستقبلية لاتجاهات سوق العمل من خلال البيانات الاقتصادية او الفنية لمجالات السوق المهنية استعداداً بشكل مسبق لتحولات القوى العاملة. *دعم انظمة الاتمتة الحالية في تسريع عمليات التوظيف وتقليل الجهد الحالي مع دعم دقة النتائج. *تنبيه العاملين الحاليين عن خطر فقدان وظائفهم عبر تحليلات اتجاهات سوق العمل او قطاعاته المختلفة وهذا يعتبر تدخل استباقي. *دعم فتح فرص الاستثمار لرواد الاعمال عبر مساعدة الباحثين عن عمل في البدء باعمالهم الريادية ناتجة من تحليلات سوق العمل والتوجهات المالية. *تخفيض التحيز اثناء التوظيف المبني على اعتبارات غير مهنية، لان الذكاء الاصطناعي يعتمد على تحليل المهارات والمؤهلات، لا العوامل غير المهنية. *تسهيل العمل عن بعد حيث ان الذكاء الاصكناعي ممكن ان يكون الموجه للمنشآت عبر تخفيض التكاليف وتوظيف اخرين للاعمال بوقت جزئ يعتمد على الإنتاجية. *تحسين ربط طلبات اعانة البحث عن عمل مع فرص السوق، وعليه فان الذكاء الاصطناعي ممكن ان يلعب دورًا مهمًا في استراتيجيات مكافحة البطالة من خلال تحسين التوظيف. *تحليل نسبة قوة واهمية الوظائف اقتصادياً وعائدها على الاقتصاد الوطني لتحديد نسبة اولوية التوطين واهميتها والتي ممكن ان تُعكس على لون نطاق المنشأة بناءً على القيمة الاقتصادية وليس الكمية فقط. طبعا هذا يتطلب ان نجد منهجية ومحفزات إضافية لدعم التوطين في بعض الانشطة مثل الصيدليات، ونقاط البيع في البقالات الصغيرة التي ممكن ان يعمل بها شبابنا الصغار في المتوسطة، اوفي الثانوية حيث ان مهارات تلك المهن محدودة، ويمكن لشبابنا العمل بها بشكل دوام جزئي اومتقطع، وهذا يحقق ثلاثة اهداف وهي: أولا، اننا نستطيع ان نسد عجز الاحتياج المفاجئ والكبير لمناسبتي اكسبو ولكأس العالم. وثانياً، نعزز عالميا الصورة الايجابية لشبابنا، وثالثاً، تحقيق زراعة ثقافة العمل لدى الشباب منذ الصغر. ولتحقيق هذا الجانب فاننا أيضا نحتاج من المرصد الإعلان، ليس على نسب السعودة بشكل عام، ولكن الإعلان عن ارقام التوطين في القطاعات، وهذا سوف يحقق مقارنتها مع بيانات هيئة الإحصاء، كما يحدث في العديد من المؤشرات العالمية، على سبيل المثال، في امريكا التي لديها مؤشرات عدة منها التصنيع والترفيه/الضيافة.. الخ. وهذه ترتبط بمؤشر الاقتصاد لربطها بنمو او تدهو الاجور في تلك القطاعات النوعية للوظائف. واخير تكون الاحصائيات موزعة مستهدفاتها على المناطق ليشارك المواطن المالك للمنشآت في تحسين هذه النسبة بمنطقته لتحقيق الهدف الاسمى من التوطين. وهذا يفيد في التتبع والمقارنة، يبين اذا قفزت المنشأة في التوطين، او حققت منشأة صعبة التوطين مثل المقاولات نسب التوطين للاخضر، فهنا يتدخل الذكاء الاصطناعي لوضع سيناريوهات لاحتمالات اسباب تغير هذا الرقم. وفي هذا الصدد فاننا نتطلع كذلك إلى أمر مهم وهو: وضع تصنيف المهن وربطها بعاملين هامين المنطقة ونوع المنشآت. والنظر في التحليل الاحصائي بين المهني، ونوع المنشأة المهني، وموقع المنشأة في المنطقة. هذه متغيرات هامة جداً للتحليل ولمعرفة جميع الاحتمالات والأسباب والمتغيرات في العرض والطلب، ومفيدة للنظرة المستقبلية للقدرات البشرية قبل كاس العالم عام 2034. كمواطن غيور على وطني وشبابه وشاباته منذ انخراطي في عمل تنمية الموارد البشرية عام 2004، وبرنامج السعودة بالتدريب على رأس العمل المنهجي المرتبط بالتوظيف، بعد هذه الرحلة أجدني اليوم فخورا، بكل ما تعنيه الكلمة، بعدما رايته حين ارتيادي للمرة الاولى لمترو الرياض حيث شبابنا وشاباتنا يعملون في خدمة توجيه الركاب وهم مستمتعين بهذه الوظيفة بكل شغف. وهذا يضاف الى ما رأيته في بعض مناسبات موسم الرياض من شباب يعملون في ادارة المرافق بكل اقتدار واحترافية واستمتاع، وكانهم يطبقون مقولة: اعمل ما تستمتع القيام به حتى تحقق افضل النتائج. هذا الوضع الإيجابي يشجع على طرح المبادرات الجديدة التي تأخذنا الى كفاءة التطوير والتمكين للتوطين النوعي. للوصول الى التوطين النوعي نحتاج النظر، ليس فقط في الارقام المتحققة من برامج التوطين كما في تقارير هيئة الإحصاء، ولكن نحتاج خطوة اكبر عبر مبادرات التوطين النوعي الذي يجب ان تصنّفه هيئة الإحصاءات وفق انواع المهن النوعية ودخلها، ومشاركتها في الاقتصاد الوطني، بمعادلة تحددها الهيئة بمشاركة وزارة الموارد البشرية. علي سبيل المثال، السعودة لمهنة صيدلي او نائب رئيس هي اكثر قيمة اقتصادية ومشاركة في الاقتصاد من مهن لا تتطلب الا خبرة بسيطة ومؤهل ثانوية عامة او اقل. وهذا ممكن الان عبر الاستعانة بالذكاء الاصطناعي كما اشرنا سابقاً، ووضع اولوليات القرارات بناء على التحليلات المستمرة من متغير السوق بوسائل الذكاء الاصطناعي. نتطلع ان تحقق المنشآت المشاركة في الاشراف على اقامة الفعاليات والمباريات ان تكون عمالتها المواجهة للجمهور عند نسبة 100% سعودة، وتجربة مترو الرياض وموسم الرياض افضل برهان على كفاءة شبابنا وشاباتنا، وهذا يثبت للعالم اننا محل الثقة والمسؤولية والاحترافية لتقديم افضل صورة عن وطننا للعالم من خلال العمل الذي يقومون به وليس من خلال مناسبات مكلفة قد لا تصل بنفس التأثير النوعي لتجربة الزوار مع شغف مواطنينا. *متخصص في الموارد البشريه