نحيا في الكتابة و إن ماتت فينا.

بدأ النور يسطع شيئا فشيئا و أشعة الشمس تصعد ببطء حتى أنعكس وهجها على وجه فائقة التي لم تعد عينيها نائمة في ظلمة الغرفة فقد نشرت الشمس شعاعها و أشرق الكون، و لم تشرق الروح المنطوية في هذه البقعة بعد. فتحت فائقة عينيها و تأملت في السقف طويلًا، سألت نفسها: كيف سيكون شكل هذا الصباح؟ ثم قالت ليت لي عملٌ ) أزجّ ( به كل صباحٍ فيزيح عن كاهلي ثقل هذا القرار اليومي السخيف! نهضت عن سريرها و بدأت أفكارها المتناثرة تدفعها إلى المشي في كل بقعة من المنزل حتى أوقفتها قاصدة المطبخ، مكانها المفضل منذ أن توقفت عن العمل! فقد بدأت نظامًا غذائياً خالِ من السكر و غني بالبروتين، حتى لا تفقد من صحتها النفسية أكثر مما يدفعها الفراغ إلى فقده، و قد صارت وجبتها الأساسية الأفطار لأنها مازالت ترى في الصباح أملاً و نورا، و في نوم الليل صحة و قوة! حمصت فائقة شريحة من التوست أضافت لها طبقة من البيض المقلي مع القليل من الملح و الفلفل الأسود و قطع الأفوكادو و بضع ورقات من الجرجير.. أعدت لها كوباً من الشاي و صعدت إلى غرفتها. حملت الكتاب الذي قد شرعت في قراءته، في نيتها استكمال القراءة لكنها وضعته إلى جانبها، و دون أن تقصد فتحت كمبيوتر المحمول و وجدت نفسها تبحث عن عمل يناسب تخصصها/مهاراتها أو! ما تطمح إليه.. عندها وقع نظرها على إعلان يبحث عن شخص بمؤهلها فبحثت عن الشركة المعلنة و قرأت عنها ثم نقلت الإيميل المرفق بالإعلان و انشأت رسالة جديدة للتقديم و قبل أن ترفق السيرة الذاتية فكرت في أن تكتب خطاباً قصيراً بلغة رسمية تعبر بها عن مدى اهتمامها بتلك الوظيفة و مدى ملائمتها لخبراتها السابقة.. وضعت يديها على لوحة المفتايح و بدأت: أكتب و أمحو.. أخطو و أتعثر، أنام كي لا أصحو ثم أصحو فأسعى بحثاً عن الحياة التي أريدها و تنتظرني! لا مكان للإنسان على هذه الأرض إذ لم يكن عاملًً.. و ما هو العمل يا ترى؟و هل يلتقط أو نسعى للوصول إليه؟ وهل هو وجهة أو محطة؟ هل صار جزءا من ذواتنا أم هذا ما صرنا إليه؟ هل يستطيع الانسان إعادة تعريف نفسه بعيدًاً عن محيط العمل و مسمياته؟ كيف تحولت ذواتنا و أفكارنا لمادة؟ و فوق ذلك علينا تصريفها و التسويق لها و توظيفها في كل الأماكن.. الكثير من السير الذاتية على سطح مكتب جهازي المحمول ) cv marketing ( و ) السيرة الذاتية-الصحة النفسية( و ) مدربة اليوغا ( و ) سيرة ذاتية-إدارة المشاريع ( و في أعلى السطح ملف وورد ( كتـابة المحتوى) الكثير من الشهادات و الخبرات بحثاً عن فرص في مجالات قطعت شوطا بها و مجالات لم أتمكن منها، و ها نحن.. نتخبط و نكبر و نصغر ونقفز ونتعثر و ننهض و نقاوم و نستريح ونثور ونهدأ و لا شي يتغير .. ندحرج الأيام، نطبطب على أنفسنا و نذكّرّها ( من يت وكل على الله فهو حسبه ) و ( على الله رزقكم وما توعدون ، ( نقف ننفض عنا اليأس و نهمس إلى ذواتنا: مارس الامتنان، يجعل دنياك المقفرة بستاناً أخضر! و لا أعلم هل هي كذبة متقنة أم حقيقة هشة لأنني أجد لها نفعًا حينا و حينا لا ألمس لها أثرا، أذكرّ نفسي: هذا التخبط حتى يعد ّك الله للمكان الذي تستحقين! ثم أتذكر أني لا أعرف هذا المكان ولا أدرك ماهيته. لكني أعرف الله و عطفه و كرمه و رحمته. أقول لنفسي الحياة )محاولات ثم انطلًق( الحياة )خفة روح( و )صحة جسد( ثم امارس روتيني الرياضي اليومي.. أقول لنفسي هل أخطأت في كتابة السيرة الذاتية؟ ثم أدفع لشخص آخر مثلي ممن يبحث عن عمل حتى يعد لي واحدة بمعايير مقننة، اسأل نفسي مرة أخرى ربما ليس العيب في مجال تخصصك قد يكون نقصا في مهاراتك؟ و أدفع المال حتى أحصل على المزيد من الدورات و الشهادات ..والتدريب، أقدمّ الدورات التدريبية بأجر زهيد و بفترات متباعدة ثم أقول: المعنى في أثر هذا التدريب الذي ألمسه لا بالعائد المادي.. أمل الروتين ثم أبحث عن جهة تحتضنني للتطوع فلا يصلني اتصال.. هل صرت لامرئي؟ هل أنا ذرََة في مهب الريح؟ ألمس كل الأشياء و لا يقترب مني شيء.. أقفز للحياة فتسقط فوق رأسي. لكني هنا بالقرب مني أطبطب علي و أرفع رأسي إن طرأ له أن يتطأطأ يأسا، أستقيم بمشيتي إن طرأ لظهري أن ينحني تخاذلا، وأنظر للسماء فـ أذكّر أنني في نعيمٍ مقيم! توقفت فائقة عن الكتابة، رفعت رأسها عن الكمبيوتر المحمول، أمعنت النظر إلى الضوء المتسلسل من نافذة الغرفة، و أعادت النظر في السطور المكتوبة ثم تبسمت! قالت في نفسها: لقد تمكنت من الكتابة فمنذ أسبوعين مضت و الحرف يهجرني، و دفاتري تئن و القلم يتصدع. حفظت فائقة النص في مسودات الرسائل بالإيميل المرفق للشركة و لم تعد تفكر بكتابة خطاب التقديم أو بإرسال السيرة الذاتية. أغلقت الكومبيوتر المحمول و قد رسم صبحها نفسه مثل كل الأيام التي مضت.