في كتاب « زمن الطيبين » للدكتور محمد العوين ..

ذكريات مغترب في الرياض.

صدر الكتاب عن دار الثلوثية للنشر ط1 / 1444هـ في 272صفحة وقسّمة المؤلف إلى عناوين مستقلة، في كل عنوان يتحدث عن مرحلة زمنية مرّت عليه أو عاشها، مع ملحق للصور والوثائق، وتصدّر الكتاب الإهداء الذي جعله إلى الأجيال التي لم تولد في عصر الكد والتعب الذي عاشه. واستهل الكاتب حديثه عن الرياض من خلال كتاب (الرياض القديمة) الذي ألفه الإنجليزي: (وليام فيسي)، وترجمة د. عبدالعزيز الهلابي وطبعته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة طبعتين الأولى عام 1419هـ والثانية في عام1424هـ، مبدياً تخوّفه من اندثار معالمها وآثارها حين قال: (إنني أخشى على الرياض القديمة من أن تندثر دون توثيق دقيق بالصورة والكلمة ممن عاش تفاصيلها قبل نصف قرن). ثم سافر بنا الكاتب في رحلة الذكريات حيث(زمن الطيبين) وعرّفه: بأنه الجيل الذي عاصر بدايات البث الفضائي، والقنوات الفضائية، والأحداث التي صاحبته بين مؤيد ومعارض، جيلٍ لم يعاصر الثورة الإلكترونية وتقنياتها التي ينعم بها هذا الجيل، واصفاً إيّاه بالمختلف تماماً عن ما سبقه، قائلاً : «إن الجيل الذي عاصره كان حريصاً على الأدب، والثقافة، والكتابة، والقراءة، سواءً للكتب أو الصحف اليومية والمجلات بشتى أنواعها، في شغف للبحث عن المجهول واكتشافه». أما عن بداياته في القراءة فيقول: «إنه نشأ شغوفاً للقراءة والكتابة منذ أن التحق بالدراسة الابتدائية، واصفاً أجواء القراءة بأنها حياةٍ خياليةٍ ثانية عاشها وتنفس عذوبتها وجمالها، ونمت معه في المتوسطة حين أهداه أحد أساتذته مجموعة من الكتب، مشيداً بدور المكتبة العامة التابعة لوزارة المعارف في تنوير، وتثقيف، وبناء العقول الشابة في زمنها. ويستذكر خلال حديثه أول رحلة يمم وجهه فيها إلى الرياض، وكيف رأى ذلك الشاب القروي المدينة المتطورة ببيوتها الطينية، وشوارعها، ونشوة الفرح التي غمرته حين وقف أمام قصر أمير الرياض، وكأني به يردد قول الشاعر: سعيد بن غيثه حين سافر من الجوف إلى الرياض وظهر أمامه قصر الحكم فأنشد: هذي الرياض وذاك قصر الحكم بان وهذي منازل كاسبين النفيله ديرة هل العوجا لمن خاف مزبان قوماً على الشِّدات تنجي دخيله وما للغربة من وحشةٍ وألم يحكي الكاتب كيف أن المغترب عن القرية إلى المدينة ينقطع عنها شهر أو شهرين أو قل سنوات، فلا يسمع عنها شيء، حتى يقابل قادماً منها، أو يبعث لأهله رسالة خطيه مع أحد الكدادين، وينتظر أياماً ليأتيه الرد. وأشار إلى السنوات التي قضاها هناك كان يتنقل فيها بين الوراقين والمكتبات الواقعة في عمارة الدغيثر وما جاورها في شارع البطحاء؛ بحثاً عن ما ندر من الكتب، وعن الأجواء المصاحبة لذلك الجيل من تشدد حيث واجه عقبات كثيرة في سبيل نقل المجلات التي تحوي صوراً نسائية، وكيف أنه إذا هَمّ بالتصوير بالكاميرا الفوتوغرافية كان لميع فلاشها مصدر امتعاض من البعض بل أن بعضهم يضع الشماغ أو اليد على وجهه لكي لا يظهر في الصورة، والشي بالشيء يذكر حيث أورد موقف والده من التصوير حين كان يعمل مستشاراً وإماماً للصلاة لدى الأمير: محمد بن عبدالعزيز بن سعود (المطوّع)، وأراد أن يستخرج شهادة ميلاد طُلب منه صورة فأستشار الأمير الذي كتب خطاب اعفاءه من الصورة. وفي موقفاً آخر يتحدث الكاتب عن الراديو الذي أحضره للمنزل بمساعدة والدته، وكان يختبئ عن الأنظار؛ ليستمتع بوقته معه فغنت ذات يوماً الفنانة: فايزة أحمد(يمّه القمر ع الباب)، فصادف دخول والده عليه من الباب؛ ليصبح مصير الراديو التكسير، لأنهم يرون أن دخول الراديو للمنزل بمثابة دخول الجن والشياطين له. يذكر أن الكاتب أورد حديثاً عن بداياته بالعمل في إذاعة الرياض وخطواته الأولى في البرامج التي كان يقدّمها في الفترة التي نافت على أربعةٍ وعشرون عاماً، ثم العودة بعدها لإجراء لقاء معه استعاد خلاله الذكريات، وشاهد التطورات، والتقنية التي كانت فارقاً عن التقنية القديمة، كما تحدث عن الفترة الزمنية التي قضاها صحفياً يتنقل من مكان لآخر لتغطية الأخبار، وتفننه باستعراض ثقافته في الكتابة الصحفية؛ ليظهر التقرير بحلةٍ قشيبة. الكتاب حافل بالذكريات الجميلة والقصص اللطيفة التي عاشها جيله ، وعلى الرغم من كل ما أورده (العوين) في الكتاب من ذكريات إلا أنه لا يعده كتاباً كاملاً عن سيرته الذاتية، مبشراً بشروعه في كتابة سيرته بشكل أشمل وأعم. كتبه: * محافظة القريات