عند زيارتي للشيخ عبدالله الصالح الفالح بالمسجد الجامع بعنيزة بعد صلاة ظهر يوم 29/2/1419هـ، وعرف أنني من الزلفي، ذكر وأفاض بمدح الشيخ محمد المعتق، وقال: إنه رافقه من مكة المكرمة إلى الزلفي أثناء دراسته في كلية الشريعة، وقد أعجب بسعة علمه ومعرفته بالأماكن التي يمرون بها من مرتفعات، وسهول، ومواقع أثرية، وقرى، وما قيل فيها من شواهد شعرية وغيرها. حرصت على الكتابة عن الشيخ المعتق، وسررت بما ذكره الدكتور محمد المفرح في كتابه (من الزلفي إلى برلين) أن الشيخ محمد المعتق المقيم بمكة المكرمة هو من سعى لافتتاح أول مدرسة ابتدائية بالزلفي عام 1367هـ. ووجدت ذكره في كتاب فهد بن عبدالعزيز الكليب (علماء وأعلام وأعيان الزلفي) مختصراً لا يفي، فطلبت المزيد من الشيخ الدكتور محمد البراهيم الحمد فطلب مني العودة لكتابه عن والده (إبراهيم بن أحمد الحمد.. أمير الزلفي من عام 1361هـ-1370هـ)، وفعلاً وجدت المزيد مما سأعود له بعد كتاب الكليب الذي نقل عن الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام في كتابه (علماء نجد خلال ستة قرون) في جـ2 ص355 «.. إن محمد بن إبراهيم بن معتق المؤرخ النسابة الحافظ أحد أعيان بلدان الزلفي، ويعتبر من أوسع مؤرخي نجد رواية، وأعلمهم بالتاريخ القديم والمعاصر والأنساب البعيدة والقريبة، والحفظ الغريب من الأخبار والأشعار الشعبية والعربية، ولقد استفدت منه كثيراً في هذا المجال، وهو ثقة ثبت في أخباره ومروياته». «.. وخلاصة القول أنه كان راوية حافظاً، حسن الصوت والإلقاء، فاهماً لما يحفظ، عالماً بأسرار معاني الحكم، خبيراً بدقائق الأحداث مما لا يفطن له إلا من عاصره وجالسه، وقد آتاه الله تعالى من قوتي الحافظة والذاكرة مما ساعده على النبوغ في فنه الذي لم نر له نداً فيه بين الذين عرفناهم من الحفاظ والرواة، وكان يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب..» ص430. أما الشيخ الدكتور محمد الحمد فقد أفرد له 14 صفحة من كتابه الضخم عن والده، عرف به بقوله: « هو الشيخ العلامة المؤرخ الأديب محمد بن إبراهيم بن معتق بن عثمان بن عواد من عبيدة قحطان. ولد بالزلفي عام 1310هـ تقريباً، حسب إفادة حفيده الشيخ القاضي مساعد بن معتق... ويعتبر والده الشيخ إبراهيم المعتق من أهل الفضل، والعلم، والجاه، والتجارة، والثراء، والكرم، والإحسان، ونفع الناس، وحسن التدبير، وقد ولد عام 1282هـ تقريباً، وتوفي شهر ذي الحجة عام 1376هـ... وليس له من الأبناء الذكور سوى محمد وابنة واحدة هي منيرة زوجة وطبان الرومي. وقد أورد الشيخ محمد بن عبدالله البليهد في كتابه (صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار) جـ5 ص63 قوله: «.. إبراهيم المعتق من أخص رجال الملك الحسين بن علي بمكة المكرمة في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري. وكان مديراً للتشريفات ومعرفاً لوفود البادية عند الحسين بن علي، وأحد المطلعين على أسراره..». نشأ الشيخ محمد في كنف والده الذي عني بتربيته وتعليمه.. وقد بدت علامات النبوغ والألمعية ومخايل المروءة والسؤدد والنجابة على الشيخ محمد منذ بواكير عمره الأولى.. فكان والده يعامله معاملة الرجال والأصدقاء. ويتجلى ذلك من المكاتبات التي تجري بينهما.. وكان الشيخ إبراهيم المعتق كثير التنقل، والترحال، وكان يقيم بمكة كثيراً قبل حكم الشريف حسين وبعده، إلى أن آل أمر الحجاز إلى الملك عبدالعزيز. ويظهر أن الشيخ محمد المعتق تلقى تعليمه الأول في مكة المكرمة، ويبدو أنه كان تعليماً نظامياً قوياً صارماً. ويشهد لذلك ما يتمتع به الشيخ محمد من علم واسع، وثقافة متنوعة، وخط جميل جداً، وحفظ للقرآن عن ظهر قلب... ولا غرابة أن يكون لديه مكتبة زاخرة بصنوف الكتب، وأن يكون عنده النهم الشديد في القراءة، والتعطش لكل جديد من الكتب. وقد عرف بعلمه منذ أن كان في أول شبابه، ويظهر ذلك من مكاتباته مع العلماء، والمعتنين بالكتب. ويظهر – كذلك – من الإهداءات التي تصل إليه من المؤلفين، كالشيخ العلامة عبدالرحمن السعدي، ومن خلال من ترجموا له، أو كاتبوه كالشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحمن البسام، حيث ترجم له في علماء نجد، وكان كثير الزيارة، والمراسلة، والمشاورة للشيخ محمد المعتق... وكان كريماً وجيهاً مضيافاً، متصديا للخطائين من الناس، ذا علاقات واسعة متنوعة جداً، وقد اشتهر بالحلم، والتروي، وأصالة الرأي، ورجاحة العقل، وحدة الذكاء، وبعد النظر، وشهامة الخاطر، وسلامة الصدر، وسعة الأفق ومحبة الإصلاح، والقدرة على رأب الصدع، وتقريب وجهات النظر. وكل ذلك مصحوب بالسماحة، والبشر، والتواضع، ولين الجانب. وكان والده تاجراً، وقد ورث من والده مالاً كثيراً، وأملاكاً في أماكن عدة في مكة، والعراق، والزلفي وغيرها.. وقد حرص على تنميته من إكرام الضيف، وإصلاح ذات البين، ورفد المحتاجين، وإقامة المروءات، وأعمال البر عموماً من الصدقات، وإعمار المساجد.. وكان بابه مفتوحاً، ومجلسه متاحاً لمن أتى من الأصدقاء، والأضياف، وطالبي النوال، ومريدي الرأي والشفاعة، والقائمين على مصالح البلد عموماً... ومما يذكره حفيده الشيخ القاضي مساعد بن معتق، أن أصدقاء جده الشيخ محمد ومعارفه من كافة الأطياف، ففيهم: الملك، والأمير، والعالم، والقاضي، والأديب، والوجيه، والعامي ونحوهم. ونقل عن حفيده الشيخ مساعد قوله: « إن جدي محمد رحمه الله كان يقضي جُلّ يومه في القراءة، واستقبال الناس، والاحتفاء بهم «. كما نقل عن حفيده الآخر الشيخ عبدالله أخي الشيخ مساعد: « أنهم لا يكادون يحظون منه إلا بالقليل من الوقت، لانهماكه في القراءة، أو جلوسه للناس». ونقل عن الشيخ بكر بن عبدالله البكر شيئاً من ذلك، وأن مجلس الشيخ محمد المعتق كان عامراً بالأضياف، وأن الجهة الشرقية من منزلهم الكبير كانت مليئة بالغنم، والبقر، والإبل، والغزلان، وأنها كانت معدة للأضياف. وقال: «.. وذكر لي الشيخ بكر البكر أن الشيخ محمد المعتق يخرج إلى السوق قبل المغرب، وإذا رأى أحداً يبيع الحطب، وقد قرب أذان المغرب، ولم يبع ما لديه اشترى منه الحطب ولو لم يكن له فيه حاجة، ثم يطلب منه أن يوصل الحطب إلى منزله، ثم يستضيفه على العشاء، ويعطيه حقه، فيكون ذلك من أحب ما يكون على البائع، حيث يبيع ما جلبه للسوق، ويحصل على عشاء عند الشيخ محمد المعتق. وقد أكد هذه المعلومة الشيخ مساعد بن معتق». ويذكر الشيخ مساعد أن الملك سلمان – حفظه الله – لما كان أميراً للرياض عام 1387هـ زار الشيخ محمد المعتق في منزله في إحدى زياراته للزلفي بصحبة الشيخ سليمان العراجة – رحمه الله -. وقال حفيده الشيخ مساعد أن مكتبة جده متنوعة بين علوم الدين والأدب والشعر والتواريخ، وأنه كانت لديه مكتبة زاخرة بشتى صنوف العلم، والمعارف، وأنه كلما سمع بطباعة كتاب كان يحرص على اقتنائه سواءً ذلك داخل المملكة أو خارجها. ومن لطائف سيرته ما كان بينه وبين والده من الود، والتقدير، والاحترام، فلقد كان يُجِل والده، ويعظم شأنه، ويسارع إلى مراضيه وبره.. وبالمقابل كان والده يجله ويرفع من شأنه، ويعامله معاملة صديق خاص حميم، ويلقبه في مكاتباته له بلقب: الأبن الأفخم... وهكذا كانت سيرة الشيخ محمد مع أبنائه، فقد كانوا كالأصدقاء له، بل إن أصدقاءه أصدقاء لأبنائه، وكان والدي رحمه الله – إبراهيم الحمد – صديقاً للشيخ محمد، ووالده، وأبنائه. لقد كان الشيخ محمد المعتق حريصاً جداً على المصالح العامة في الزلفي، وما يعود عليه بالنفع العام في كافة مرافقه الصحية، والتعليمية، ونحوها. وقد كان له دور عظيم في تأسيس التعليم النظامي في الزلفي، ويتجلى ذلك في إسهامه في إنشاء أول مدرسة ابتدائية في الزلفي، وفي إنشاء المعهد العلمي في الزلفي، ونحو ذلك مما يتعاون فيه مع أعيان الزلفي.. وكان ذا قبول عند الناس – خاصتهم وعامتهم – وإذا دخل في صلح، أو قضية شائكة اسهم في الصلح، وحل المشكلات.. بل لا يكاد يدخل في قضية إلا وتُحل. وقد ذكر لي الشيخ دخيل بن سليمان الخزعل أموراً عدة من هذا القبيل، وذكر أن أكابر أهل مكة إذا اختلفوا، أو تنازعوا في شأن ما احتكموا إلى الشيخ محمد المعتق، ليفصل بينهم، فيقوم بذلك، ويرضى جميع الأطراف بحكمه. واختتم الشيخ محمد الحمد ترجمته للشيخ محمد المعتق بعمق علاقته بوالده إبراهيم الحمد وما بينهما من الود وكان يستعين بالشيخ محمد لكتابة ما يحتاج إلى كتابته سواء ما كان ذلك في مصالح البلد عموماً، أو ما كان يخص الوالد. ومن لطائف سيرة الشيخ محمد المعتق أنه كان رامياً ماهراً، وقانصاً من الطراز الأول، وقد سمعت هذا الكلام قديماً، حيث أكد ذلك حفيده الشيخ مساعد. وذكر أن لديه بندقية صيد. ص823. هذا وللشيخ محمد أربعة أبناء وهم: معتق، وأحمد، وعبدالعزيز، وسليمان رحمهم الله. وله ثلاث بنات وهن: لؤلؤة، وموضي، وحصة. توفي رحمه الله بالزلفي عام 1397هـ وعمره سبع وثمانون سنة.