كلمات قليلة في ذكرى العالم الجليل، محمد بن ناصر العبودي، رحمه الله 1345 - 1443هـ / 1926 - 2022م
يعتبر الراحل العالم الجليل محمد بن ناصر العبودي من جيل الأوائل الأفذاذ المتميزين، الذين قد لا يتعدون عدد أصابع اليد ،وهو المؤلف والمؤرخ والجغرافي والأديب والرحالة والداعية الإسلامي. وقد تلقى العلم على يد عدد من العلماء، في بداية نشأته، ثم أصبح مدرساً، ومديراً للمعهد العلمي في بريدة، ثم حصل على مناصب كبيرة، حيث أصبح الأمين للجامعة الإسلامية في المدينة، ثم مديراً ووكيلاً لها، كما أصبح الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي، وقد نال العديد من الجوائز الكبرى، وعلى رأسها جائزة الملك سلمان، لدراسات تاريخ الجزيرة العربية التقديرية عام ١٤٣٠هـ -٢٠٠٩م. ورغم أني لم أعرفه عن قرب، إلا أن القليل جداً الذي يذكرعن سيرته الاستثنائية يظل بمثابة الكنز اليسير، من بعض المسامع والاطلاع العام السريع، سواء عما قرأت من مؤلفاته، والكتابات عنه، وما شاهدت من مقابلاته الصحفية أو الشفوية والإذاعية. وأشير هنا إلى أني استفدت خاصة من مرجعيتين مشكورين، الأول: من سعادة الدكتورة شريفة بنت محمد العبودي التي عملت على وضع فهرسها الهام «ملفات العبودي المنشورة والمخطوطة»، والثاني: من الأخ والصديق الوفي، إبراهيم بن عبدالرحمن التركي، الكاتب المعروف والمشرف على ملحق الجزيرة الثقافية سابقاً، الذي لازم أسبوعياً مجلس العبودي في الرياض لمدة عدة سنوات، وأجرى معه حوارات مطولة في صحيفة الجزيرة (١٤٢٤هـ)، كما كتب ورقتين بحثيتين، عن الراحل، ألقى إحداهما في مراكش (٢٠١٤)، والأخرى في القاهرة (٢٠١٨). وفيما يخص الدكتورة شريفة العبودي فقد رصدت لوالدها في الفهرس المذكور حوالي (٣٠١) من مؤلفاته المنشورة والمخطوطة، وأخرى متعددة. ولكن حسب اطلاعي فقد وقف رصدها عند عام ١٤٣٣هـ، أي قبل عشر سنوات، ولا أعرف عن ما تمت كتابته خلال الفترة التالية للفترة المذكورة، بل إن أحد الكتّاب أشار أنها تصل إلى ٣٧٦ عملاً، ، ولا شك أن العبودي كان يملك طاقات وقدرات ومواهب نادرة واستثنائية شخصية، وكما قال عن نفسه أنه يكتب ويسجل يومياً، ليلاً ونهاراً، في معظم حياته، وذلك عمل لا تنجزه المؤسسات العلمية الكبيرة، ومن الطبيعي أن يستغرب البعض كثرة مؤلفاته وأعماله الواسعة، ولكن على الرغم من هذا فإنها تتميز بدقة الرصد والوصف والتوثيق والموضوعي المنهجي، إلى جانب تميزها ببلاغة الأسلوب والعبارات وحسن السياق والصياغة، للاطلاع على سبيل المثل، فقد رصدت الدكتورة شريفة العبودي (٣٠١) عملاً له، وهي ما يلي: في المعاجم (٥٦)، في أدب السيرة (٨)، في كتب أخبار الرجال (٧)، في الكتب الأدبية (١٧)، في كتب الدعوة (٢٤)، في كتب الرحلات (١٨٠)، كتب مختلفة (٩) وأغلبها مخطوطات، وفي ظني أن تلك الأعمال الموسوعية العلمية المتعددة لا يوجد سابق لها، وخاصة غي أدب الرحلات وزياراته لكل أصقاع العالم، وليس من مثيل له قديماً وحديثاً، حيث حقق رقماً قياسياً بلا منازع. أما أخلاق العبودي وسيرته الشخصية الخاصة، فكل من يعرفه يشهد له بالكثير عن سمو خلقه ودماثته العالية، طيب معاشرته ومجالسه، وكذلك عن مدى تواضعه في علمه، حبه للآخرين واحترامه للكبير والصغير دون استثناء، بل وأكثر فإن هذه مثل الصفات النبيلة وغيرها تشمل أسرته الكريمة بالدرجة الأولى. وأخيراً وليس آخراً، أرفع ثلاث دعوات أو أمنيات، راجياً من الله أن تتحقق، وتتلخص في أن العبودي لازال يمثّل مدرسة علمية وبحثية متكاملة الأبعاد والزوايا، وقد ترك آثاراً عميقة لتاريخ المملكة خاصة، وفي حياة الوطن والناس عامة. ولهذا أدعو إلى ما يلي: ١-أن يبادر أهالي مدينة بريدة خاصة في إقامة مركز علمي وثقافي وخيري كبير ومتعدد في جوانب خدماته يحمل اسم الراحل. ٢-آمل من مكتبة الملك فهد الوطنية، مكتبة الوطن والأجيال، أن تخص العبودي بمساحة خاصة ومستقلة بالمكتبة، حيث تضم جميع آثاره وأعماله، بما فيها صوراً لأوراقه ومدوناته الخاصة والشخصية الكثيرة التي جمعها وكتبها في حياته، حتى وإن كانت على شكل مسودات. ٣-أرفع التماسا إلى أصحاب السمو الملكي، أبناء الملك فيصل رحمه الله، والقائمين على جائزة الملك فيصل التقديرية، في أن يتم منح العبودي الجائزة لعام ١٤٤٤هـ، حتى وإن كانت بعد وفاته، فلا ضرر في ذلك، استثناءا. وفي قناعتي أن كل أو معظم شروط ومجالات الجائزة المنصوص عليها تنطبق عليه. وختاماً، أؤكد أن هذه الرغبة حول جائزة الملك فيصل سبق أن دعوت إليها مع بعض الزملاء قبل عدة شهور، وذلك أثناء حياة العبودي وفي كل حال، ولا شك أنها سوف تظل التفاتة وفاء للراحل من جهة رغم وفاته، ومن جانب آخر لأسرته وذويه ومحبيه والوطن كله. * أكاديمي متقاعد