
المتأمل في حياة الدكتور محمد بن مريسي الحارثي رحمه الله، يجده الانسان المثابر المجد الذي خلّف وراءه علمًا نافعًا ومحبة دائمة عند من عرفه، لا سيما وقد اتسم بالرقة الممزوجة بالصرامة، وكان لفقده الألم الذي تجرعه أبناؤه وأحباؤه واقرباؤه وممن عاشره أستاذًا وصديقا وجليسًا ومن تتلمذ على يديه، ومن نعم الله على عبده ان جعل له منفعة ومحبة عند خلقه، هذا ما تجسد به كلمات رفاقه الأكاديميين وطلبه وطالباته والقريبين منه رحمه الله وغفر له؛ التي استقبلتها مجلة اليمامة. الدكتور سعود الصاعدي.. ابن مريسي المربّي والناقد. محمد بن مريسي رحمه الله، هكذا بهذا الاسم العام، يحضر في ذاكرة النقد، وذاكرتنا العلمية منذ شدونا في هذا العالم العلمي الرصين، وقد كنت أحد طلابه في مرحلة البكالوريوس حين كان رئيسًا لقسم الأدب، ثم شرفُت بالتتلمذ عليه في مرحلة الماجستير، إلى أن حظيت برفقته في لجنة شاعر الملك. وللحق أني كنت مرتبكًا من مسألة أن أكون زميلًا لأستاذي، لما أعلمه من شخصيته الصارمة والجادة في سياق العلم، فقد كان رغم لطفه الحميم في السياق الاجتماعي مهيبًا وقورًا، تشعر وأنت في حضرته بهيبة العلم ورصانته. هكذا عرفت شخصية أستاذنا محمد بن مريسي، وما أحب إليّ أن أسمّيه بهذا الاسم لفخامته ومكانته في ذاكرة من يعرفه سواء من طلاب العلم والمعرفة، أو من أبناء قبيلته الكرام، فهو شيخ علم وشيخ حلم، وبتعبيرنا صاحب عرف ومكانة ووجاهة في سياق القبيلة، كما هو صاحب علم ورصانة في سياق العلم. اقتربت أكثر من أستاذي في برنامج شاعر الملك فتعرّفت على الأب الوالد المربي، ورأيت ذلك في نجابة وأريحية ابنه مجاهد الذي يسبقه إلى عصاه، ويتولّى خدمته بكل حب وبلا تذمّر، ثم عرفت بعد ذلك أبناءه تباعًا: مشهور ومازن ومنصور، فرأيت في انتظامهم شخصية محمد بن مريسي الذي تجلّى في أبنائه أبًا وصديقًا. أدرك تمامًا حجم فقدهم، وقد مررت بهذه التجربة مع أبي رحمه الله، فما أصعب أن تفقد الأب الصديق، لأنك تفقد في آن واحد شخصين معًا، تفقد أباك وصديقك. يذكرني محمد بن مريسي بشخصية جدّي لأمي، رحمهم الله جميعًا، فهو الشخصية الصارمة الرحيمة، تبدو رحمته ويظهر ودّه كلما اقتربت منه، وكلما تقدّم به العمر، وذلك عندي من أمارات حسن الخاتمة حين يستعمل الله عبده في المنعطف الأخير من العمر فيجعله يعكف على تزكية النفس وما يرتقي بها في عالم الملكوت، صارفًا همّه إلى الآخرة مقبلًا عليها بكليّته متمثلًا ذلك في سلوكه وأخلاقه مع أبنائه ومن حوله من الجيران والأصدقاء. لا أنسى لأستاذي رحمه الله مواقف هي عندي بمثابة التكريم حين أجاب دعوتي في إحدى المناسبات بلطف غامر، وحين هاتفني يوما ينًاقشني فور صدور كتابي البلاغة الكونية في بغض مسائل البلاغة ومباحثها، فعددت ذلك له من الرعاية الكريمة والأبوّة الحانية. رحم الله الناقد الكبير والمربّي الجليل الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي وأسكنه فسيح الجنات، وخالص العزاء لأبنائه الكرام وأسرته الكريمة. أ.د. سعاد الثقفي*.. من النور أتيت وإلى النور تعود طوى الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي صفحاته من ديوان الأيام، ليكون في ديوان الذكر الطيّب إلى الأبد. نعم، فقد عرفناه أستاذًا نجيباً ألمعيّا، ميمون النقيبة، محمود السَجَايا، يرسي رواسي العلم ، فما شقيت به المعرفة، وإنما الشقوة لمن استبدّ به الجهل. إذا حدثته وجدت حديثه قبسًا من نور الحكمة، تنبعث منه معاني النبل والخير والجمال، وقلمه ميزانا للمعرفة، خطت أنامله ما يسمو بالفكر ويخلّد القيمة والقامة. يتلقى لديه طالب العلم فيجد لديه ما يرويه بمداد قلبه وشظايا روحه، ولذلك فهو يصل إلى القلوب بلا مشقة؛ كان لي شرف التلمذة على يديه، رأيتُ جواهر فضله ونبله فلم يكن إلا أبًا حانيًا ، مفكرا ألمعيا، ومحاورا بارعا، يطرح المشكلة ليثير العقول ويفاجئ المتلقي بغير المتوقع كما اعتدنا منه في المنابر العلمية التي يثري فيها مساحات الحوار ،يقود دفة كلمته بمهارة، فيخرج بها: كلمة لم تفقد النطق، ولم تُعدم المنطق، فقد عرف أن الحوار هو الأستاذ يتعلّم منه ويعلّم به..! من هنا عرفتُ عن أستاذي الكثير، رجل علم ووجاهة وإصلاح، لايداري ولايماري، ويخفض جناح الرحمة والعون للضعفاء،فشكراً لك أيّها الصائغ الكبير، الذي استطاع بروح العلم أن يحّولَ سبائك اللغة إلى قامات وطنية، وشكراً، لأنَّكَ قرأتَ الحياة بحضارة، فالمتحضّرون وحدهم، يعرفون كيف يستخرجون الدُرّ من شواطئها، ويعزفون على أوتار القلوب بالإحسان الذي تَعرِف عمقه وعمق أثره، فطالما استشهدت بقول الشاعر: أَحْسِنْ إلى النَّاسِ تَسْتَعبِدْ قلوبَهم فطالما استعبدَ الإنسانَ إِحسانُ. أستاذي الجليل الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي من النور أتيت وإلى النور تعود، ستظل مَاسَةً تنير أروقة الذاكرة. وستعيش في قلوب الأحياء ما عاشوا كأضعف المخلوقات قلباً وأقواها رأياً وفكرًا، شاهدًا على أزمنة أنطقت فيها الصمت ، وعلمت فيها الجهل ، وأرست فيها قواعد النور، مستغنٍ تمامًا عن كثير من الإطراء والمديح، والكلام الكثير الذي يقال عمّن بلغ مكانتك، لأنك أكثر من ذلك وأكبر، طاقة عجيبة من الثقافة والفكر، تكتب وتتميز فيما تكتب، وتتحدث في منابر العلم شامخًا كالنسر، صامدًا كالطود، هكذا كان سعادة الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي أحد أبرز فرسان الساحة الأدبية النقدية في المملكة، مبدع مفكر تشهد له الساحة الأدبية والنقدية المحلية والعربية بعطائه المميز المتدفق في كل محفل علمي، له المؤلفات القيّمة منها: عمود الشعر العربي «النشأة والمفهوم» ،»الثقافة الكونية في القرآن العظيم ، كتاب «تحبير الأقلام في تحرير الكلام»، وفي ديوان البلاغة العربية»، وكتاب «في أصول الحداثة العربية»، و»في ديوان النقد الأدبي»، و»المنهج البياني في تأويل النص»،وكتاب «جدلية الواقع والمتخيل» قراءة في شعر الأديب الشاعر الدكتور عبدالله باشراحيل، و»عبدالعزيز الرفاعي أديباً»، و»الاتجاه الأخلاقي في النقد العربي» وغيرها من الكتب القيمة.. ما أثمن هذا الرجل ونحن نستحضر الأثر.. وما أغلى قيمة الرجل في نفوس الذين عاصروه وعاشروه وصادقو فصادقهم حتى أرسى مكانته، ومارغني مشوار هذا الرجل الذي تميز بالعطاء لوطنه حتى اللحظة الأخيرة.. التعزية لاتكفي فيها كلمة، ولكن واجب الدين يمليه وعزاؤنا لأحبابه أننا بشرٌ تقودنا نحو عفو الله آمين. *أستاذ النقد الأدبي بكلية اللغة العربية بجامعة أم القرى. علي العيدروس.. كسر السائد المؤيد للحداثة النقدية. تعرفت على الفقيد الدكتور محمد مريسي الحارثي عبر صرحين ثقافيين في مكة المكرمة هما نادي مكة الثقافي ومنتدى الدكتورعبدالله باشراحيل، حينما كنت أُحضّر الدكتوراه في كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى، وعلى الرغم من أنه كان أستاذا في قسم اللغة العربية في الجامعة، إلا ان هذين المنارين الثقافيين كانا طريقي الجميل في التعرف عليه، واستدامة علاقتي به حتى بعد تخرجي في 2013. كانت ملامح الرضا الدائمة على وجهه وابتسامته التي تغمره في كل حين وتواضعه سمات غالبة في شخصيته رحمه الله، فكان اقترابي منه يزداد مكانة بيسر كبير دفع بي لأن أكون متميزًا في طرحي للنقاشات التي تتم في نادي مكة الأدبي ومنتدى باشراحيل، وعليه أصبحت عضوًا فاعلا في كل الندوات لتمد هذه الفاعلية إلى نادي جدة والطائف وأبها. ومن وجهة نظري ومما تعلمته من هذه القامة النقدية الأدبية بأنه صاحب مشروع نقدي يوأئم فيه بين النقد البلاغي والنقد الحديث، وأرى أن كتبه الثلاثة كتاب «في أصول الحداثة العربية وكتاب في ديوان النقد الأدبي وكتاب المنهج البياني في تأويل النص» توضح هذا المشروع، ومهما اختلفتا أو اتفقنا معه في رؤيته لهذا المشروع النقدي، فقد كان خطوة جريئة تكسر السائد المعارض أو المؤيد للحداثة النقدية. محمد علي قدس.. أحد أعمدة الفكر النقدي يغيب فقدت البلاد علما من أعلام الأدب والثقافة، الدكتور محمد مريسي الحارثي الأديب والناقد والأستاذ بجامعة أم القرى، وأحد أعضاء نادي مكة الثقافي البارزين. وهو من أعمدة الفكر المعاصر، له إسهاماته ومشاركاته الأدبية والنقدية ومن أساتذة البحث العلمي الصادقين، شارك في العديد من المؤتمرات والندوات والفعاليات، وساهم في كثير من المحاضرات وملتقيات وندوات الأندية الأدبية ومهرجان الجنادرية، والجامعات والمراكز الثقافية في المملكة وخارجها. كان الدكتور الحارثي عضوًا ورئيسًا للعديد من المنتديات والأندية الثقافية والأدبية، وحكّم بحوثًا ودراسات للترقية العلمية، عرفت الدكتور الحارثي رحمه الله لأول مرة خلال مشاركته المتميزة في ندوة قراءة جديدة لتراثنا النقدي التي أقامها نادي جدة الأدبي عام 1988م ودُعِي إليها كبار النقاد في العالم العربي وكان في مقدمة النقاد الذين مثلوا الفكر النقدي بالمملكة، يُعد رحمه الله من الأكاديميين الذين استفادت منهم الأندية الأدبية وكان معنا رفيق مشوار في عطائها الذي كان له أثره في الحركة الأدبية، وشارك في نشاطات النادي وفي ملتقى قراءة النص في مواسمه المختلفة، وفي ندواته وأمسياته. أصدر له النادي كتابه (عبدالعزيزالرفاعي. أديبا). وللدكتور الحارثي العديد من المؤلفات القيّمة منها: كتبه النقدية والبحثية: (تحبير الأقلام في تحرير الكلام)، (في ديوان البلاغة العربية)، (جدلية الواقع والمتخيل) ، قراءة في شعر الدكتور الشاعر عبدالله محمد صالح باشراحيل، (في أصول الحداثة العربية)، (في ديوان النقد الأدبي)، (المنهج البياني في تأويل النص)، (الاتجاه الأخلاقي في النقد العربي). كان له رحمه الله توجهه الفكري ورأيه المعتدل الذي يخالف فيه الكثير من المتأثرين بتيار الحداثة الفكرية في الثمانينات الميلادية وهو بحق ممن نقدرهم ونحترم توجهاتهم الفكرية وآرائهم النقدية. ولهذا أعتمد عليه في تحكيمه للكثير من البحوثً العلمية المتخصصة والمقالات الفكرية والنقدية المعدة للنشر في المجلات العلمية المحلية والعربية المحكمة، وفي مطبوعات الأندية الأدبية، وكذلك حًكم مسابقات ثقافية وأدبية شعرية ونقدية، وأشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه وناقش العديد منها. رحم الله الصديق الكبير البروفيسور محمد مريسي الحارثي، الذي يعد فقده بحق خسارة كبيرة للحركة النقدية والأدبية في البلاد 19فبراير 2025م الدكتور عبد الله باشراحيل.. الصديق ورفيق العمر غفر الله ورحم الله أخي وحبيبي وصديقي وأستاذي ورفيق دربي البروفيسور العالم العلامة الدكتور محمد بن مريسي الحارثي، الشاعر والاديب والفيلسوف والمفكر وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة والمسلمين، أتقدم إلى إخوانه وابنائه وبناته وأحفاده وأقاربه وأرحامه بالعزاء الكبير وأعزي نفسي فيك خالدا في الاولين والأخرين بطيب الذكر ورفعة المقام وكريم الخصال صعب ان أنعيك ايها العلم وصعب ان أعزى نفسي فيك وصعب ان أتحدث عنك الآن ولم يجف الدمع في عيوني، ففقدك عظيم ايها الموسم بالخلق الرفيع، وصعب عليّ الحديث عنك في هذا الوقت، فان لفقدك جرحًا في قلبي يتنزى بدم الفراق، وعليك ابكي وعليك فيلبك الباكي ايها القلب الناصع البياض والروح العالية الطباق، ايها الصديق الصادق والأمين المؤتمن على الحب والوفاء. اعذرني فلم استفق بعد على حقيقة الفقد حتى أُلملمُ شتات نفسي، واجففُ دموع عيني لكي أستطيع ان اقول عنك ما تركته من خلائق وآداب وعلوم لازالت تتحدث عنكم، ولازال صداها يروي الظامئين إلى مناهل أنواركم السابحة في سماوات العلا والفخر. اعذرني ايها الحبيب كنت أريد، وكان أمر الذي يفعل ما يريد، هو الفيصل الذي قضى الأمر ونحن على نفس طريقك سائرون، نسأل الله ان يغسلك بالماء والثلج والبرد، وان ينقيك من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم الله ثبته وأفسح له في رمسه وجازه بالإحسان احسانا، وعن الخطايا فضلا وغفرانا، اللهم أحسن وفادته وأكرم نزله وتقبله بما انت أهل له، وانزله في روض مخضود وزرع منضود واجعله من الفرحين المستبشرين، فقد كان محباً لك مؤدياً لعبادتك مخلصاً قانتاً لك، فارضهِ برضوانك وأشمله بإحسانك واسلكه في عبادك الصالحين والمخلصين الذين لهم عقبى الدار، والحمد لك يا الله على قضائك، تُحي وتميت وأنك على كل شيء قدير. أحمد بن جارالله الحارثي.. وترجل الفارس عن صهوة جواده وترجل فارس النقد والبلاغة عن صهوة جواده، وانطفأت شمعة من شموع الأدب واللغة، لكن نور علمه ما يزال يضيء دروب الباحثين والدارسين، رحل الأستاذ الدكتور محمد مريسي الحارثي، ذلكم الصوت وذاك القلم الذي طالما صاغ الفكر بجزالة المعنى، ورصانة الحرف، وعذوبة البيان فغاب الجسد، لكن روحه تسكن بين السطور وطيَّات كتبه، مقالاته ومحاضراته التي سكنت العقول والقلوب. يا أبا مشهور، كيف لليراع أن يخط كلمات الفقد، وأنت الذي صنعت من الحروف جسورًا بين الأجيال، كيف ننعيك، وأنت الذي كنت صوت الأدب النابض بالحياة، والحارس الأمين على قيم العلم والثقافة. عرفناك معلّمًا أديبًا ناقدًا حصيفًا ومفكرًا مستنيرًا، فلم تكن مجرد أستاذٍ جامعي، بل كنت جامعة قائمة بذاتها، تنير الدروب القاتمة، تفتح الآفاق الواسعة، وتزرع في العقول بذور التساؤل والمعرفة. رحلت، لكنك تركت لنا إرثًا خالدًا، وذكرى لا تمحوها السنون، وستظل الكثير من إسهاماتك الفنيَّة منارةً للأدباء، وستبقى روحك الزكيَّة ترفرف بين صفحات كتبك العطرة، وبين أيادي طلابك الذين نهلوا من معين فكرك الصافي. سلامٌ عليك يوم وُلِدت، ويوم رحلت، ويوم تبعث حيًّا، وطيّب الله ثراك، وأسكنك فسيح جناته، وعوّض الأدب والثقافة عنك خيرًا، وسلامٌ عليك في مرقدك، وسلامٌ على علمٍ حملته، وأدبٍ خلّفته، وذكرى ستظل خالدة في صفحات الزمن. رحمك الله، وجعل فيما قدّمت من علمٍ وأدبٍ في ميزان حسناتك، وداعًا أبا مشهور. الدكتور عايض الزهراني.. رحيل الذي لا يرحل. حين يترجل الكبار، يبقى أثرهم نبراسًا لا ينطفئ، وحين يغيب العظماء، تظل سيرتهم تضيء دروب من بعدهم، ومحمد بن مريسي قامة سامقة، ورمز من رموز الأدب والنقد والفكر، فقده الوطن والمشهد الثقافي. الدكتور محمد مريسي الحارثي، الذي ترجل عن دنيانا، تاركًا وراءه تراثًا علميًا وأدبيًا خالدًا، وسيرةً ناصعةً كالمطر، وروحًا تحلق في سماء المعرفة، لا يطالها إلا أهل الذائقة الرفيعة، فلم يكن مجرد أستاذ أكاديمي أو ناقد أدبي، بل كان موسوعي الفكر، واسع الأفق، غزير الإنتاج، متبحرًا في علوم اللغة والنقد والتراث، محققًا بارعًا، وباحثًا دؤوبًا. عُرف عنه انتماؤه العميق للثقافة العربية، واهتمامه بالنقد الأدبي الحديث، وحرصه على تأصيله بأسس معرفية رصينة، فصاغ منهجًا علميًا أضحى مرجعًا لمن أراد الغوص في أعماق النقد والفكر اللغة، فترسخت بصمته في عقول طلابه ومحبيه، توّجها بالأخ الروحي والأب التربوي لطلابه، فغدا مثالًا ناصعًا للعالِم الذي يجمع بين العلم والأخلاق، والمعرفة والتواضع، والهيبة والبشاشة. اتسم بسمته الهادئ، وابتسامته الصافية، وأدبه الجم، وسعة صدره، وأن يكون انسانًا في مرتبةٍ تليق بالعلم الذي يحمله، مؤمنًا بأن الرسالة الأكاديمية لا تقتصر على قاعات الدراسة، بل تمتد إلى بناء الفكر، وتهذيب الذائقة، وإعلاء قيمة الإبداع والبحث، وقد نجح في ذلك نجاحًا باهرًا، إذ تخرج على يديه نخبة من الباحثين والأدباء، الذين حملوا فكره وواصلوا نهجه. رحل الجسد، لكن فكره باقٍ، ومؤلفاته العديدة والمتنوعة شاهدة على عبقريته ونبوغه، فترك وراءه إرثًا علميًا زاخرًا بالمؤلفات والبحوث التي تعد مراجع أساسية في الدراسات الأدبية والنقدية، وأسهم بشكل كبير في إثراء المكتبة العربية بأعماله التي جمعت بين العمق التحليلي والرؤية النقدية المتزنة، كان فارسًا في ساحة البحث، مخلصًا للحرف، شغوفًا بالمعلومة، مدققًا في كل حرف يكتبه، مؤمنًا بأن الكلمة مسؤولية، وأن البحث العلمي أمانة. أيها الراحل الذي لا يرحل، كيف نرثيك وأنت الذي أرّخت لمسيرة العظماء، وكنت التأبين لمن سبقوك، كيف ننعيك وأنت الحاضر في كل كتاب وضعته، وكل فكرة نقّبت عنها، وكل طالب صنعت منه باحثًا يحمل شعلتك، لقد غامرت في ميادين الفكر والأدب، فبلغت المجد وأنت بيننا، وها أنت الآن في ضيافة الكريم، حيث لا ألم ولا وجع، وحيث ينعم أهل العلم بثمرات ما قدّموا. اللهم اغفر لعبدك محمد مريسي الحارثي، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، واجعل علمه نورًا له في قبره، وشفيعًا له يوم يلقاك، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون. الدكتور عبدالله رده الحارثي.. الأستاذ المتمكن والناقد الحاذق. فقد الوسط الثقافي والأدبي والتربوي سعادة الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي الذي وافاه الأجل المحتوم ليلة الثلاثاء 18 شعبان 1446 للهجرة رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وبرحيله فقدت الساحة الأدبية والثقافية رمزاً وطنياً كبيراً فهو صاحب علم واسع وخلق رفيع وأدب جم وله مؤلفات كثيرة تزخر بها المكتبة المحلية والعربية، وعرفته منابر الأندية الأدبية والقاعات الدراسية والمناقشات العلمية والدراسات والأبحاث الأدبية، وله صولة وجولة وحضور مختلف . الدكتور محمد بن مريسي هو الشاعر الجزل، والمربي الفاضل والأستاذ الجامعي المتمكن، والناقد الحاذق، ورمز وطني كبير ومعروف ومن رموز محافظة ميسان بمركز الصور بني الحارث ومن أعيانها وشيوخها ومن بيت علم ومعرفة واصلاح، وتحل على يديه المشكلات وتعالج المعضلات، وهو صاحب فكر نير وحوار مثير، وطرح راق مستنير. لقد تشرفت قبل مايقارب العامين بإجراء اللقاء والحوار الأخير معه في برنامج رموز وطنية وقبل ان يداهمه المرض ويخضع لمرحلة العلاج التي امتدت به لعدة سنوات، وكان حوارًا ماتعًا تجلى فيه كمدرسة باذخة في كل المجالات المطروحة للحوار، وللعلم فهذا اللقاء موجود عبر برنامج اليوتوب لمن يرغب الاطلاع والاستفادة مما طرح فيه من قضايا وأفكار. لقد ذهب الرجل ورحل عن دنيانا ولكنه ترك لنا إرثًا عظيمًا وأثرًا كبيرًا، كتب بمداد من ذهب لا يمحوه الزمن، فرحمك الله أبا مشهور وغفر لك وجمعنا بك في جنات النعيم . مشعل الحارثي.. فقيد الأدب والعلم والثقافة رحم الله شيخًا سمى قدرًا وعز جنابًا، ملأ الدنيا فكرًا وعن افقنا ما غابا، قد عرفناه نجمًا مضيئًا ورائدًا وثّابًا، يخدم الفصحى وينشر الآدابا، وذكره يفوح كالمسك وياسر الألبابا. رحم آلله أستاذنا الراحل الأديب الدكتور محمد بن مريسي الحارثي رحمة الأبرار وأسكنه فسيح الجنان، فهو أحد من يمثلون الفكر والأدب الراقي في أروع وجوهه، وكان جامعة للعلم والمعرفة نهل منها الكثير من طلابه وزملائه وكل من عرف بحوره الزاخرة بلآلئ الأدب وسحر الكلام ورقي المعاني، وكان ذلك القانع الراضي المكتفئ ليل نهار بأداء رسالته بكل همة واقتدار، وزهد في المناصب والمغريات ،وانصرف للفكر والأدب ليجعله بضاعته ورأسماله وثروته الحقيقية. لئن قال الجاحظ: «ان الأدب صناعة الكلام» فان الكلمة هي وعاء العلم والمعرفة وأداة الرأي ووسيلة النهضة والتطور، ولو أمعنا النظر في الأثر الذي يحدثه رجال الفكر والأدب والفن في هذه الحياة لوجدنا انهم مداميك التطور البشري وعلى هديهم يسير القادة ورجال الإدارة والشعوب. هنا وعلى بياض هذه الصفحات اليمامية، ووسط هذه الكوكبة من رجال الأدب والفكر والثقافة التي لم تجتمع لتكريم الإنسان الفاني فقط - فكلنا صائر للفناء عاجلًا أم آجلًا- وانما جمعهم تكريم الرمز والقيمة والقدوة والمثل والطاقة الايجابية الكبيرة التي كان يبثها أستاذنا محمد بن مريسي الحارثي في كل من عرفه وفي كل مناشطه وندواته وكتاباته ومشاركاته الفاعلة ،وأثاره ونتاجه العلمي الذي تجاوز ٣٠ كتابًا تمثل حقلًا دائم الخضرة فواح الشذا مخضل الخمائل لا تعبر عليه رياح الخريف ولا يتصوح نبته ولا يذبل زهره . تغمد الله الفقيد بواسع رحمته والهم أبناؤه وبناته واخوانه وأحفاده وأسرة (أل ملفي) من قبيلته العريقة بني الحارث، وكافة المثقفين ومحبيه الصبر والسلوان. أ. د. أمل القثامي.. وَما فَقَدنا مِثلَ مُحَمَّدٍ رحل البروفسور محمد بن مريسي الحارثي، ولكنه حاضر بيننا نجم في فضاء العلم ومراتب المعرفة: لَقَد غادَروا في اللَحدِ مَن كانَ يَنتَمي إِلى كُلِّ نَجمٍ في السَماءِ مُحَلِّقِ . ولأنه هو، ولأنه علم من أعلام وطننا والوطن العربي في النقد والفكر والثقافة، فقد كان الفقد موجعا، ومؤثرا في المشهد الثقافي العربي، وفي الوسائط الثقافية، حيث كان من المؤسسين لحركة النقد الأكاديمي: تأسيسا وبناء وتطويرا، ومن العلماء البارزين الذين يصنعون المعرفة ويأصلون الوعي ويبنون الفكر، ويأسسون للمفاهيم ويستكون المصطلحات بوعي حقيقي مبني على مرجعيات تراثية عميقة وممنهجة. لقد كان الدكتور محمد بن مريسي -رحمه الله- من الأكاديميين غير التقليدين في تدريسه، ونقده وتساؤلاته وطرحه، لا يصادر رأيا، ولا يلوي اتجاها، ولا يفرض مسلكا معيّنا على الباحثين، ورغم أصالته في التراث وعمقه المعرفي الكبير، لم يُشعرنا بتعصبه لدرس تراثي عن درس حداثي، علّم تلاميذه مفاهيم جديدة عن الحداثة والمثاقفة وثقافة الكون، وفلسفة البلاغة، وقراءة النص وتأويل اللغة، وفك المفاهيم الملتبسة بسمت العالم المتواضع والأب الحنون، فلم يكن ملقنا بل مثيرا للأسئلة محركا للعقول وزارعا للتفكير النقدي القويم. الدكتور محمد الحارثي-رحمه الله- لم يكن أكاديميا فذا ومختلفا ومتمايزا بأسلوبه وطريقته في الحديث ومناقشة الأفكار؛ فحسب، وإنما قاد المشهد النقدي وحرّكه نحو الإنتاجية المعرفية البناءة، فحين كان البعض يقفون حائرين بين تيارين متضادين، كان هو رمز للوسطية والتعقل والتفهم المعرفي الكبير، كان صارما في احترام الرأي الآخر، ومناقشته بكل حيادية علمية، لم ينسق للتعصب الفكري على حساب الموضوعية العلمية، ونجم عن ذلك وتلك، عالما ومفكرا علمنا (نحن أبناؤه وتلاميذه) معنى إعمال العقل واستعمال الفكر وتوسيع المدارك وتحرير الكلام، علمنا بتعامله وأخلاقه وجسارته في طرح أفكاره أن نكون نحن في مواجهة التزعزع الفكري، أن نخلق لنا هويتنا الخاصة التي لا تنبت عن هويتنا وتراثنا، زرع بداخلنا معاني الانتماء والحب والعطاء والأمانة والصدق والأخلاق. إنه الدكتور محمد بن مريسي -رحمه الله- وطن كبير في وطن العلم الأكبر، كرّس نفسه لخدمة العلم والثقافة والأدب، فصار وما زال قامة ورمز من رموزنا الفكرية والثقافية التي ما غبت عنا ولن تغيب.