تزخر منطقة تبوك بالعديد من المعالم السياحية والوجهات الجاذبة للزوار بفضل التنوع الفريد لتضاريسها ما بين جبال وسواحل وأودية وصحار، بالإضافة إلى تنوع مناخها طوال العام وبحسب تلك التضاريس، ما يتيح للسياح والزائرين تجربة فريدة من المغامرات والاستكشاف والاسترخاء. ومن بين أجمل المعالم السياحية في منطقة تبوك، وادي الديسة، وهو منطقة تلتقي فيها العديد من الأودية الثانوية، ومضيق جبلي يقع بين «جبال قراقر»، وتعني الديسة الوادي كثير النخل أو الأشجار. يقع الوادي جنوب غرب منطقة تبوك، وشمال غربي محمية الأمير محمد بن سلمان، في منطقة تحيط بها الجبال والحواف الصخرية، وتتميز بتنوع أشكالها الناتجة بفعل نحت الماء والهواء لصخورها الرملية، وتشكل أعمدة صخرية شاهقة ومتنوعة الأشكال. ويعد الوادي من أشهر الأودية في المملكة، ومن أبرز وأجمل المعالم الجيولوجية، وواحدًا من أهم المرتكزات الطبيعية لمشروع «نيوم»، فهو ممتد في وسط وقلب المنطقة التي يضمها المشروع العملاق، والذي أطلقه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، ويشمل مناطق عديدة جبلية وتاريخية وغيرها على البحر الأحمر. وترتفع المنطقة بنحو 400 متر فوق مستوى سطح البحر، ويبدأ مضيق الوادي من أعالي حرة الرهاة حيث تنزل سيولها لتشق مياهه عبر طريق مرسوم منذ آلاف السنين، وكأنه خندق يبدأ ضيقًا جدًا في حدود عدة أمتار، ثم يزداد اتساعًا كلما توجهت غربًا، ويسمى وادي دامة أو وادي قراقر، ويصب ماؤه في البحر الأحمر جنوب محافظة ضبا. وتتنوع درجات الحرارة في وادي الديسة من 12 درجة مئوية شتاءً إلى 31 درجة صيفًا، مع متوسط هطول للأمطار لمدة 8 أشهر في السنة، ويتيح الوادي لكل زواره فرصة الابتعاد عن ضجيج الحياة العصرية الصاخبة والاسترخاء وسط الطبيعة الساحرة المتنوعة، كما يمتاز الوادي بتقديمه ألوانًا مبهجة للسياح والزوار بين اللون الأصفر المتمثل في الرمال والبني المائل إلى الاحمرار في الجبال الشاهقة بتكويناتها الطبيعية الفريدة، والأخضر في النخيل والأشجار الملتفة وبقية النباتات المتناثرة بين جنبات الوادي، وكذلك توافر عيون المياه العذبة، حيث تعكس سطح المياه الصافية فيه صورة جمالية لطبيعة المكان، ومواقع تصوير فريدة لمحبي توثيق الرحلات سواء عن طريق الفيديو أو الصور، وهناك العديد من الأنشطة الترفيهية التي يمكن ممارستها في وادي الديسة مثل الرحلات الجبلية والتخييم وركوب السيارات في البر، كما بدأ بعض محبي رياضة التسلق خلال الأعوام الأخيرة في ممارسة هوايتهم في سفوح جبال الديسة الساحرة. مياه من بين الصخور يتميز هذا الوادي الطويل (الديسة) باستمرار جريان الماء النابع من الصخور فيه على مدار العام، وتتواجد به شلالات «موسمية»، ناجمة عن مياه الأمطار. ويمتلك وادي الديسة طبيعة متفردة، لوجود الماء الذي لا ينقطع في مواقع عديدة منه، والتشكيلات الجبلية الأخاذة، التي جعلت منه أجمل الوديان الطبيعية في السعودية، والشهيرة لدى الرحالة، وشهد زيارات مصورة كثيرة لهم، ويحلو لكثير من السياح والزوار التوقف عند بعض العيون الطبيعية ومن أشهرها العين الزرقاء التي نجمت من تجمع مياه الينابيع والمياه المتحدرة من الجبال، ما يشكل منظرًا طبيعيًا متنوعًا في غاية الجمال، فضلًا عن عذوبة المياه ونقائها. وقرية «الديسة» التي لم تكن معروفة لكثير من السعوديين، حتى عشر سنوات مضت، هي من أجمل المواقع الطبيعية، والأكثر إثارة وسحرًا بجمالها، وتقع بين مضيق جبال قراقر المتنوعة في تشكيلاتها الصخرية، والتي تنعكس على سطح المياه الجارية على شكل جداول نهرية صغيرة، في أماكن مختلفة، حيث تغذي الأشجار الشهيرة وسط المضيق، والمعروفة لدى أهالي المنطقة. وما يزيد من جمال وادي الديسة وأهميته السياحية احتواؤه على مواقع أثرية مختلفة، فهناك نقوش ثمودية ونبطية أثرية، موجودة ومكتوبة على جنبات جبال الديسة، بخلاف بعض المستوطنات التاريخية الشهيرة، مثل مشيرفة والسخنة والمسكونة وهي مواقع أثرية لا تزال باقية، وواجهات لمقابر «نبطية» منحوتة بالصخر، وبقايا جدران تحوي كتابات نبطية وعربية بالخط الكوفي. ويشهد وادي الديسة إقبالًا متزايدًا من السياح، خصوصًا السياح الأجانب الذين باتت أعدادهم تتزايد عامًا بعد عام، خصوصًا في فترتي الخريف والشتاء حيث تعتبر الأجواء مثالية بالنسبة للزوار الذين يتمتعون بقضاء أوقات النهار بالتخييم في إحدى نواحي الوادي بين أشجار النخيل والمياه العذبة الجارية، ونصب عدة الشواء، بصحبة المرشدين السياحيين، كما توجد في الوادي المنحوتات الصخرية التي شكّلتها عوامل التعرية، وكذلك المنحوتات الأثرية المنقوش عليها بالخط الكوفي والرسومات المنقوشة على صخور الجبال. ويُستهل موقع الوادي بمتحف الديسة الواقع على الطريق المؤدي إليه، حيث يعرض المتحف عديدًا من المقتنيات التاريخية للمنطقة، وآثارًا جُمعت من الأودية وأماكن أخرى، ويجد السياح في طريقهم للدخول إلى وادي الديسة جملة من الخدمات كمحال بيع المواد الغذائية ولوازم الرحلات، كما ينبت في المنطقة أشجار الحمضيات كالبرتقال واليوسفي والليمون، وثمرة الدوم التي تعد أيضًا من فصيلة النخليات، بشكلها الأخاذ وثمرتها متعددة الفوائد، وبعض أشجار المانجو حلو المذاق الذي يتسابق عليه كل من يجده، لكن يظل التمر هو الأكثر تواجدًا بحكم كثرة أشجار النخيل في المنطقة. ويعد الوادي أيضًا موطنًا لبعض الحيوانات البرية والجبلية مما يزيد من أهميته ضمن جهود المحافظة على البيئة وتنوعها. مشروع تطوير وادي الديسة السياحي أعلن صندوق الاستثمارات العامة عام 2018، عن إطلاق «مشروع تطوير وادي الديسة»، الواقع ضمن محمية الأمير محمد بن سلمان، والهادف إلى الحفاظ على البيئة والحياة الفطرية للوادي، واستثمار مقوماته السياحية من مناخ معتدل وتضاريس جبلية مميزة وعيون متدفقة على مدار العام لتصبح إحدى مناطق الجذب السياحي في المملكة. ولهذا الغرض، أنشأ صندوق الاستثمارات العامة، شركة تعنى بتطوير المشروع وفق أرقى المعايير البيئية والتنموية المعتمدة عالميًا، ما يسهم في خلق قيمة مضافة لسياحة مستدامة وفرص وظيفية، ودعم التنويع الاقتصادي وتعظيم الاستفادة من الأصول غير المستغلة في السعودية. وأوضح الصندوق أن الإعلان عن «مشروع وادي الديسة» يشكل إضافة نوعية إلى منظومة المشاريع السياحية ضمن محمية الأمير محمد بن سلمان، وبحكم موقعه الجغرافي المتوسط لمشاريع «نيوم» و«البحر الأحمر» و«أمالا» و«العلا»، سوف يوفر خيارات سياحة إضافية، وفرصة استثمارية فريدة لتجربة مميزة لمحبي الطبيعة الجبلية والأودية. ويأتي مشروع «تطوير وادي الديسة» كمحرك إضافي لدفع عجلة التنويع الاقتصادي، وخلق فرص استثمارية للقطاع الخاص للمساهمة في تطوير قطاع السياحة في المملكة، والحفاظ على الموروث الثقافي والبيئي وتحقيق الاستدامة انسجامًا مع «رؤية السعودية 2030». وفي عام 2019 زار سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة، جون أبي زيد، والوفد المرافق له، منطقة الديسة السياحية، وكان في استقباله مدير عام فرع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الدكتور مبروك بن محمد الشليبي. وتجول السفير والوفد المرافق له بالموقع، كما أبدى إعجابه بطبيعة المنطقة الخلابة وتشكيلاتها الجبلية المميزة، كما زار عيون المياه الجارية وغطائها النباتي المجاور. وأعد فرع السياحة بمنطقة تبوك لهذه المناسبة استقبال تراثي مبسط شمل مسيرة للهجن وجلسة شعبية تضمنت تقديم وجبات ضيافة من الموروث المحلي للمنطقة، بالإضافة إلى تعريف الزوار بمنتجات الديسة من الفواكه والتمور كم شاهد عروضًا فلكلورية وأهازيج ترحيبية على ظهور الإبل. وكانت وزارة السياحة قد أطلقت عدة برامج سياحية في فصلي الصيف والشتاء خلال الأعوام الماضية، وشملت فيه منطقة تبوك كوجهة سياحية مميزة، ضمن 11 وجهة سياحية غنية بالتنوع الطبيعي والأجواء المعتدلة في مختلف مناطق المملكة، مما أسهم في تطوير المنتج السياحي السعودي وتنويع فرص الاستثمار فيه، مقدمًا ما يزيد على 500 تجربة سياحية عبر أكثر من 250 شريكًا من القطاع الخاص. تشمل أهداف رؤية المملكة 2030 تعزيز القطاع الخاص السعودي، لخلق مجتمع حيوي وإنشاء اقتصاد مزدهر عبر التنويع والاستثمار بطرق تضع المملكة العربية السعودية على خريطة التجارة والمنافسة العالمية، والسياحة في صميم تحقيق هذه الرؤية، وذلك عن طريق تطوير وزيادة معدلات السياحة حتى تصل إلى 10 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي السعودي بحلول عام 2030. وتضع الرؤية الأساس لخطة طموحة تستهدف تعزيز جهود الاستدامة في جميع أنحاء المملكة، بدايةً من تأسيس مشاريع «عملاقة» واسعة النطاق إلى حملة توسعية لزراعة الأشجار في كافة الأماكن.