
يعد المجلس إحدى الركائز الأساسية في الهوية السعودية، والذي بدوره عكس القيم الثقافية الراسخة التي تمثل جوهر التاريخ السعودي، فالمجلس لم يكن مجرد صورة لعكس الكرم فقط، بل فيه تشكلت مكارم الأخلاق وارتفع منبر العلماء والشعار وبرز به القادة والحكماء وفيه تعلمت الأجيال كيف تحفظ موروثها الثقافي وتتباهى به، ومن خلاله برزت قيمة الشورى وأهمية اجتماع الكلمة. بالإضافة إلى أنه شكل دورًا أساسيا ومحورياً في تأسيس وبناء الدولة السعودية بأدوارها الثلاثة؛ فمن مجلس الطريف في الدرعية وضع الإمام محمد بن سعود طيب الله ثراه بعزم وروئ بعيدة حجر أساس الدولة السعودية الأولى عام 1727م وترتبت على ذلك أولى أهداف الحكم وهي جمع شتات المنطقة والنهضة بمجتمع موحد يسوده الأمن والعدل والاتزان، فمنه جمع كلمة الزعماء والقبائل، وبه عقدت اتفاقية الدرعية التي تعد أولى لَبنات تنظيم الحكم ونقطة الانطلاق بشكل أكثر تنظيماً ودقة تحت راية الدين القويم والاستقلال السياسي، ومما لاشك فيه أن جميع هذه العوامل أسهمت في تشكيل الروح الوطنية للدولة السعودية، فاتخذ الإمام محمد بن سعود المجلس منبرًا أساسيًا لإدارة الحكم وتدبير شؤون الدولة سياسيًا واقتصاديًا، ومن خلاله أدار الناحية الاجتماعية بشقيها الإنساني والمعماري، فنشر الاستقرار والأمن في الدولة وناصر الدعوة وأمر ببناء حي الطرفية (الروقية) علاوة على ذلك شكل مفصلاً أساسياً في اتخاذ القرارات المصيرية التي أضافت دورًا مهمًا في رسم خارطة الدولة واتساع مساحتها الجيوسياسية، فمن خلاله نظم شؤون المواطنين وتلمس احتياجهم بقوله “إذا ذُل الكريم فلا بد من نصرته” وهذه الجهود بدورها شكلت رمزاً للوفاء والتلاحم حيث أثمرت في ترسيخ الوحدة الوطنية التي استمرت كإرث تناقله الآباء عن الأجداد حتى وقتنا الحالي. ومما لاشك فيه أن قيمة المجلس لا تنحصر في الدولة الأولى بل استمر المنبر الأساسي للحكم بشكل متتابع، فمن المجلس عقد الإمام تركي بن عبدالله الاجتماعات مع العلماء وشيوخ القبائل وشاور به الثقات لإعادة إعمار الدولة وتنظيمها ومنه اتخذ الرياض عاصمة لها، مكملاً الرسالة التي بدأها الإمام محمد بن سعود وأئمة الدولة السعودية الأولى، ومن خلال موقع الرياض الاستراتيجي أعاد تشكيل القوة العسكرية وطور الشؤون الاقتصادية والحركة التجارية وأنشأ نظاماً إدارياً لتعيين الأمراء والقادة في الدولة لتنظيم شؤون الحكم حيث أدار جميع تلك القرارات من المجلس كونه منبرًا لإدارة العلاقات بشقيها الخارجي والداخلي وصنعت منه القرارات التي تصب في المصلحة العامة وبه توطدت العلاقات مع المواطنين، ومن خلاله أدركوا نعمة الأمن والتلاحم، حتى عندما عزم الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه على استرداد ملك آبائه وأجداده استمر المجلس مرتكزًا أساسيًا لإدارة الدولة وتنظيم شؤونها وأكمل منه مسيرة التوحيد وجعله منبراً للشورى، وفيه أعاد صياغة سياسة الحكم، ومن خلاله أدار العلاقات الدولية وعقد الاتفاقات ورسخ الهوية الوطنية السعودية، كما انتزع الاعترافات الدولية بسيادة الدولة السعودية وظهورها كمملكة عربية لا تدين بالتبعية لأحد، ومن المجلس تفرعت عدة مجالس منها؛ مجلس الشورى والمعارف، وأمر بإنشاء الوزارات مثل وزارة الخارجية والدفاع وطور البنية التحتية للدولة، ومن خلال المجلس أولى اهتمامًا كبيرًا في الحرمين الشريفين مخصصًا لهما موارد كبيرة للتوسعة والصيانة واستمر مجلس الملك البوصلة الأساسية لإدارة الحكم واليه يتوافد المواطنين للمشاركة بالاحتفالات والأعياد ومن خلاله بايعوا ابناءه الملوك من بعده ولايزال المجلس عماد إدارة الحكم حتى وقتنا الحالي . * باحثة في التاريخ والتراث