الطمأنينة

شعور من الجنة جفول، تستدعيه بتبتل طويل كأول أيام الحب، ثم يهرب منك كطفل ظنك أباه، يستمد من قوة الإيمان، والعتق من الأنا، والتبصر في التفاصيل الصغيرة للنعم، ومن الوعي، ثم التفرقة الصحيحة بين الممكن والمستحيل. المطمئنون يدركون أن بواعث ما يشعرون به لا علاقة له غالباً بما يجري من حولهم، وإنما علو في الفهم رفع يقظتهم تجاه انفعالاتهم، أدركوا ما يقال وما لا يقال ومتى يقال وأين يقال؟ تدرعوا بنسق دائم تجاه الحياة، فهم لا يدعوا مجالاً لليقين المطلق بأن يخلد في مداركهم، فهموا الطبيعة البشرية وتقلباتها وانحيازاتها مع حفاظهم على مكانة أهلها ، لا ترهقهم نقائض النقد والثناء ، يعقلون نسبية الحقائق أكثر من إطلاقها ، ويعودون لجذر كل اعوجاج أو اصطفاء أو ابتلاء ، يميلون إلى الحد من كثرة اتخاذ المواقف مع الغير إلا في ما سيكون عادة تمارس عليهم ولا يقلقهم أن يفسر هذا ضعفاً ، لا رأي لهم دائماً في كل نقاش ، ولا يحبون ويكرهون اتباعاً لغيرهم . الأقدار من لدن حكيم خبير، جميعنا في قبضته وفي رحمته، وهذه في ذاتها طمأنينة مخضبة بالأمل، لمن فَقه أنه ربما كان للأقدار الموجعة مقاصد ظاهرها العذاب وباطنها الرحمة ، ورُب قلق أنبت حرزاً لصاحبه ، ورب يوم أسود كان إشراقة لبقية أيام العمر. تأتي منغصات الدهر وعلى رأسها الموت والسقم ، تجتث أركان الطمأنينة لمن لم يتنبهوا إلى أننا نعيش في ما أسماها الخالق سبحانه “ دُنيا “ وهي لا تساوي جناح بعوضة عنده سبحانه، نتشبث بها وكأننا نطلب الغنى والخلود والعافيه ، وهذه لم تعط للأولياء ولمن عظم خيرهم على البشرية ، بل إن بعض الغنى لأهله مفسدة ، نجزع من الموت ولو كان إيماننا بالغيبيات بحجم تكرارنا لها لاطمأنت أنفسنا، الموت من زاوية أخرى هو انتقال من ضفة يملؤها الكبد والنصب إلى ضفة أخرى سقط فيها التكليف وغادرتها الأسقام والأحزان وشاء الله لأهلها الخلود والعافية والطمأنينة المطلقة ، وأعتقد جازماً أن في القبور خلقاً كثيراً لا يريدون العودة للدنيا فهم على النعيم الذي هم فيه موعودون بلقاء أحبتهم ، أما السقم فبه تمحى الذنوب وترفع الدرجات وهو في أحيانه الكثيرة طريق العودة إلى الله سبحانه . خلاصة ما أود قوله: استجلاب الطمأنينة لا يستمد من البيئة وحدها ومما يحيط بنا أو بالانكفاء على الطاعات وحدها متبوعة بالتقوى، وإنما أيضاً بالعقل والتدبر الذي يقود للوعي والفهم والقراءة في علوم شتى والتآخي بين كل أولئك خير. أخيراً، التخطي اعتياد،. لن يزول أثر بعض أوجاعنا وأسقامنا ، ولن يظل الموت طريقه إلينا ، ولن ينقلب قدر على قدر جزافاً ، مشيئة الله فوق كل شيء ، وبعض المشيئة تستمطر بالدعاء، أما الرضى فهو تمني بما سيعوضنا الله به، هذه هي الحقيقة التي ستجعلنا على الأقل نقف على أطراف الطمأنينة .