سؤال الحياة!

قرأت “سؤال الحياة” لفيكتور فرانكل، عالم النفس وصاحب نظرية العلاج بالمعنى، وهو يأتي بعد سيجموند فرويد وأدلر، وقد انفصل عنهما، وترك مدرسة التحليل النفسي الفرويدية، ثم مدرسة التحليل الفردي، وطرح مشروعه حول العلاج بالمعنى، وهو يرى استحالة اختزال الإنسان في النزعة النفسية، كما أنه طرح تقنيات للعلاج بالمعنى مثل تقنية القاسم المشترك وتقنية القصد العكسي. والكتاب عبارة عن سيرة ذاتية، وتتصمن هذه السيرة، باعتباره يهوديا، ما حدث لليهود في أعقاب الحرب العالمية الثانية من النازية في المعتقلات، وكان من ضمن من تعرضوا للاعتقال فناله ما ناله منه إضافة إلى فقدانه والديه وزوجته. والحقّ أني حين أقرأ ما حدث لليهود أشعر بعدم التعاطف مع الشخصية اليهودية، وذلك بأثر رجعيّ، بسبب ما أحدثوه في بيت المقدس وما فعلوه في الفلسطينيين طبقا لما حدث لهم وأشدّ دون أن يجعلهم ذلك أقرب إلى الرحمة والتعامل الإنساني. فمهما كانت الشخصية اليهودية لطيفة أو عبقرية؛ فهي تنطوي على عنصرية كامنة في النسق العرقي والمعرفي، وسيرة فرانكل هذه تكشف، رغم الآلام والمعاناة التي واجهها، عن ذلك من خلال تعاطفه دوما مع بني جلدته، حتى وإن بدا محبا للإنسانية، فاليهود لديهم انتماء لأنفسهم يجعلهم حتى وهم الحلقة الأضعف أكثر استفزازا للآخر. لكن السيرة لا تخلو من لفتات نفسية مهمة، كما لا تخلو من صرامة علمية وصراحة في الطرح، ويمكن أن ترشد كثيرا في الجانب النفسي لاسيما ما يتعلق بأزمة الإنسان المعاصر مع الاكتئاب وظاهرة الانتحار التي تتفشّى في الشبان في لحظات اليأس وعدم الجدوى. ومما لفتني في سيرته لحظة انفصاله عن أدلر وطرده من جماعة التحليل الفردي بسبب صراحته وعدم إيمانه باختزال الإنسان في النزعة النفسية، وقد بدا ذلك محبطا لأستاذه أدلر الذي قاطعه بعد ذلك ولم يكلّمه، بل وأمر بطرده من الجماعة. وهذا يؤكد حقيقة راسخة هي أن الفكر أشد شراسة عند الاختلاف؛ إذ يمكن أن يتجاوز الأشخاص ما يحدث بينهم من خلافات شخصية أو خلافات مادية، لكنهم فيما يخص الفكر يبدون أقل تسامحا، بل وأضيق أفقا وإن هملجت بهم النظريات وطقطقت بهم الأفكار. يبقى ما هو أهم في سؤال الحياة وهو هذا المعنى الذي يطرحه فرانكل في نظريته النفسية فيجعله علاجا من الاكتئاب والانتحار ويتلخص في أن ثمة ثلاثة إمكانات تضفي معنى على الحياة هي: - فعلٌ نؤدّيه، عمل ننجزه، أو أن نَخبُرَ تجربة حياتية، كتجربة لقاء أو تجربة حب، على حدّ ما ورد عنده في نظرية العلاج بالمعنى. ولا شك أن ما يتعلق بالعمل والإنجاز هو أساس فكرة المعنى في الحياة وعليه ورد حديث الفسيلة فيما ورد عنه عليه الصلاة والسلام:” إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها”.