الروائي التشادي روزي جدي :

الكتابة هي طريقتي في الاحتجاج على ما يحدث في العالم .

لم يكن بجمهورية تشاد من يكتب الرواية باللغة العربية، حتى مطلع الألفية الثالثة، فالرواية بعكس الشعر، كانت تُكتب بالفرنسية وحسب، إلى أن جاء جيل بدأ يشعر بضرورة الكتابة بالعربية، اللغة التي ليست بغريبة عن الوجدان التشادي، وقد كانت لغة العلوم والثقافة يوما ما، قبل أن يسعى المستعمر، بكل قوته، لطمس الهوية الإسلامية ومعها الثقافة العربية. وضيف هذا الحوار هو الروائي التشادي روزي جدي، من خريجي جامعة الملك فيصل بأنجمينا، الجامعة التي ساهمت عبر أنشطتها المختلفة وجوائز القصة التي تقدمها، في إتحاف الساحة الثقافية في تشاد، بعدد من الأسماء التي بدأت تضع ملامح الرواية المكتوبة بالعربية، وبرز بعضها في الساحة العربية، وتُوج بجوائز عربية مهمة، من الذين برزوا: روزي جدي، وفاز في نهاية العام الماضي بجائزة الدولة للتميز الأدبي، وهذه الجائزة بمثابة الاعتراف بصعود العربفون، وقد صدر لروزي عدد من الأعمال الروائية منها: «قارب يلاحق مرساه»، «ارتدادات الذاكرة»، «وزمن الملل»، يعمل روزي مديرا للقسم العربي بمؤسسة أنجام بوست، ويدير دار نشر صغيرة للكتب العربية تُدعى مسو، ويعمل كصحفي مستقل ويتعاون مع عدد من الصحف العربية، فإلى الحوار: في البداية، نبارك لك الفوز بجائزة التميز الأدبي للعام 2024 بجمهورية تشاد، ما هو شعورك تجاه هذا الفوز؟ وأهميته في مسيرتك الإبداعية؟. شكرا على التهنئة. سعيدٌ بهذا الفوز. الجوائز محطات تحفيزية للكاتب. فكرة أن يلتقي بضع أشخاص في لجنة تحكيم ويتّفقون على جودة نصك من بين نصوص أخرى، هي بذاتها تستحق الاحتفاء، لأن اعجاب الناس بما نكتب هو من بين الأشياء التي نبحث عنها في رحلة الكتابة؛ وإن لم تكن الحاجة إليها جوهرية. سعيدٌ بفوزي بأرفع جائزة أدبية للبلاد. هذا اعتراف بأن ما أكتبه جيد ويستحق التقدير. لكن الأمر ليس جوهريا، سواءً أفزتُ بجوائز أو لم أفز بواحدة فإنني سأواصل الكتابة. لديك رصيد لا بأس به من الأعمال الروائية المميزة، وقد كتبتها في وقت دراستك الجامعية، هل كنت مصدر قلق لأسرتك، فالأسر غالبا ما تفضل التفرغ التام للدراسة لضمان المستقبل المهني، أذكر عندما كنتُ بالجامعة نشرت مقالا في صحيفة، وحين رأى قريب لي تلك الصحيفة، قال لي بنبرة تهديد: “سأريها لأبيك”، كانت أيامي الجامعية عصيبة، حدثنا عن أيامك و ذكرياتك في تلك الفترة؛ والهموم التي كنت ترى ضرورة التعبير عنها؟ مثلك تماما، بدأت الكتابة وأنا طالب جامعي، لكن تلك المحاولات لم تكن نصوصا روائية. كتبت قصصا قصيرة أثناء تلك الفترة. الأسرة لم تكن قلقة، لأنها لم تكن مكونة من أشخاص يقرؤون. الكتابة لا تُحظى بتقدير كبير في مجتمعاتنا، أذكر أنني وفي سنوات العطالة ما بعد التخرج وبالتحديد بين سنة 2015 إلى 2020، كنت أكتب بشكل يومي وأقضي الكثير من الساعات داخل غرفتي.. الأمر الذي اعتبره البعض كسلا مني وقالوا بأنني بدل البحث عن العمل أقضي وقتي في تسويد الأوراق. أتذكّر ذلك لأنّ أمي ورغم أنها لا تقرأ سوى القرآن، كانت تردد في كل مرة:” اتركوا ابني يكتب ما دام ذلك يسعده. اتركوه يكتب”. كانت سعيدة برؤيتي باسما في صباحات الكتابة؛ تلك الصباحات التي نحصد فيها أسطرا نراها بديعة. ما كتبته في تلك السنوات ذهب إلى سلة القمامة وبعضه أحرقته بيدي، جالسا قبالة محرقة في وسط الشارع، نقوم بها كل صباح جمعة حين نعمل في تنظيف البيت وحرق الأوساخ والكراتين والبلاستيك وكل ما نجده في الأرض ساعة النظافة. “ لم أستطع منع نفسي من الكتابة، هذه هي طريقتي الوحيدة للتذمر، لقول أشياء لا يفصح عنها اللسان”، هكذا يقول بطل روايتك، هل توافقه الرأي أن الكتابة طريقة للتذمر والاحتجاج ضد العالم الذي لن يقترب من المثال أبدا؟ نعم الكتابة هي طريقة للتعبير، للتنفيس، وطريقة للتحقيق الذاتي ولقول ما لا نستطيع قوله باللسان. الكتابة هي طريقتي في التعبير والاعتراض عمّا يحدث في العالم. تمارس الصحافة المستقلة منذ فترة، وتدير القسم العربي بأنجام بوست، ما الذي أضافته الصحافة إلى تجربتك الروائية؟. الصحافة أضافت لي الكثير. هي مهنة صعبة تتعلم منها الصبر والكتابة في كل الظروف والاجتهاد أكثر. الصحافة هي مستوى كتابي أقل من الأدب لكنها مهمة جدا للروائي كي يتعلم الاجتهاد وعدم الاعتماد فقط على موهبته في الكتابة، كما تعلمتُ الانضباط والعمل تحت الضغط، وأنه يمكننا الكتابة يوميا وكلما كتبنا أكثر تحسنّا. دخلت إلى الصحافة لأنها تعود لي براتب عكس الكتابة الأدبية التي لن تحصل منها على مقابل مادي. بدأت الكتابة الأدبية وهي التي قادتني إلى الصحافة التي احتاجت إليّ ولبّيت دعوتها لأني بحاجة إلى القوت. بدأت الصحافة بالتحديد بالصحافة الثقافية، وتدرجتُ حتى صرت رئيس تحرير لمنصة إعلامية. لقد درست في مدارس عربية وتخرجت في جامعة الملك فيصل بأنجمينا، وهذا ما اسهم في تكوينك الثقافي، ما هو تأثير هذه الجامعة في ظهور الاتجاه الذي يسميه البعض بالعربفونية، في مقابل الفرانكفونية التي سادت منذ الاستعمار؟. جامعة الملك فيصل هي أهم مؤسسة عربية في تشاد؛ فأغلب وربما معظم النخبة الدارسة بالعربية تخرجت منها أو درّستْ فيها. اليوم أغلب من في الساحة سواء سياسيين أو أدباء هم من خريجي هذه الجامعة العريقة. على المدى البعيد، ما الأثر الاستراتيجي الذي ستحدثه جامعة الملك فيصل في الثقافة العربية في بلادكم؟. أعتقد أنها ستحدث الكثير؛ فهي الجامعة التي تخرج الآلاف من الدارسين بالعربية كل سنة. فتخريج الآلاف كل سنة وإدخالهم إلى السوق وتوفيرهم للدولة أمر مهم. أعتقد أن أي نجاح يحرزه الدارسون بالعربية سوف يعود فضله إلى جامعة الملك فيصل في أنجمينا. المواطن الخليجي يعرف الكثير عن الأعمال الخيرية التي يقوم عليها خليجيون في أفريقيا، ويعرف عن ما يُقدَّم لخدمة الإسلام فيها، لكنه لا يعرف إلا القليل عن المجهودات الثقافية، هل يمكنك إضاءة هذه النقطة؟ الدول الخليجية قدمت الكثير لتشاد وبفضل دعمهم ولدت جامعة الملك فيصل وثانويات عريقة مثل ثانوية الملك فيصل وثانوية المركز الكويتي. حتى اليوم تعتمد أغلب كليات جامعة الملك فيصل على دعم خليجي. أنا مثلا درست الابتدائية والإعدادية في مدرسة بنتها المملكة العربية السعودية والثانوية أيضا وفي جامعة أسست بدعم خليجي. الحكومة التشادية لم تبن مدارس عربية إلا بحلول عام 2010 حين استثمرت بعضًا من أموال النفط في التعليم وهي كلها مجرد مبانٍ وما يقدّم هناك غير مفيد ودون المستوى. الدول الخليجية والسودان ومصر ساهموا كثيرا في دعم اللغة العربية في تشاد. ما هو الدور المطلوب من الملحقيات الثقافية العربية بأفريقيا لنشر الثقافة العربية خاصة أنها ترتبط بطريقة مباشرة مع الطموح الديني لمسلمي أفريقيا؟. الملحقيات الثقافية لا تفعل شيئا. وكأنها غير موجودة. نحن المثقفون لدينا مؤسسات ونوادٍ واتحاد كتاب وفعاليات ثقافية وفكرية لكننا لم نجد دعما من أحد في الوقت الذي تدعم السفارة الفرنسية آلاف المشاريع الثقافية. الملحقيات الثقافية في السفارات لا تقوم بدورها ولا ترعى أي نشاط ثقافي. أعتقد أن عليهم التفكير في هذا الجانب لدعم الثقافة العربية في تشاد. هل يمكن اعتبار فوزك بجائزة التميز الثقافي بمثابة اعتراف رسمي بصعود العربفونية وأنها باتت ذات ثقل لا يمكن تجاوزه؟ وجود الجائزة بحد ذاته مهم جدا لنا نحن الدارسون بالعربية؛ فالجائزة ورغم تأسيسها قبل أكثر من عقد إلاّ أن من فازوا بها من الدارسين بالعربية ثلاثة فقط لأنهم لم يسمحوا بالمشاركة أو لم تصلهم مشاركات. اللغة العربية هي دستورية في البلاد والدراسون بها يزدادون عددا مع مرور الزمن ويتقلدون المناصب لكن المشكلة تكمن في أن نسبتنا صغيرة مقارنة بمن يدرسون باللغة الفرنسية. نعامل كهامش؛ نحن الدراسون بالعربية في تشاد نعامل كما تعامل الأقليات. يمنحوننا مناصب تمثيلية لنظهر في اللوحة وأغلب تلك المناصب ليست حساسة ولا مهمة. أمامنا الكثير لمجاراة الفرنكفون أو المساواة معهم وهو أمر صعب جدا لأنهم أكثر عددا. الرواية التشادية المكتوبة بالعربية حديثة السن في تشاد، وأنت من روادها، ومعظم الذين يكتبون بالعربية لهم علاقة مباشرة بجامعة الملك فيصل أو مدارس الصداقة التي أسستها بعض الدول العربية كمصر والسودان، وأنتم كطليعة، ما هو الدور الذي تودون القيام به في خدمة الثقافة العربية بتشاد؟. نحن نود أن نضع أسسا للأدب التشادي. أغلب الأدباء تخرجوا من جامعة الملك فيصل. نود أن نصنع حالة ثقافية وفكرية كي تتوفر هناك منصات للنقاش الفكري والثقافي. وعلى المستوى الشخصي يعمل كل منا في مشروعه الأدبي لوضع حجر أساس للأدب في تشاد. فتشاد عرفت الشعر العربي باكرا لكنها لم تعرف الرواية العربية إلا قبل عقدين فقط. هنالك بروز لأسماء تشادية في المشهد الثقافي العربي، فقد ظهر شاعر تشادي بصورة جيدة في برنامج أمير الشعراء، وفاز الروائي طاهر النور بجائزة توفيق بكار للرواية بتونس، هل تشعر بأنكم قدمتم اختراقا مهما نحو فضاء أوسع، أم أن الأمر مجرد ضرورة لصعوبة النشر باللغة العربية في تشاد لقلة القراء بها؟ أعتقد أننا قطعنا شوطا مهما؛ من بلاد لا يعرف قراء الأدب أين هي إلى جوائز ونشر في دور نشر عربية كبيرة. صحيح الشعر في تشاد قديم، بيد أن الرواية ما زالت طفلة وما حققناه جيد لكننا نطمح إلى المزيد لأن ما نكتبه مميز، وآمل أن يلتفت العالم العربي إلى الأدب الإفريقي الذي يكتب العربية بدل البحث عن آداب بعيدة عنه. كان النشر صعبا، ولم يعد كذلك، بسبب النجاحات الأدبية التي حققناها.