دشّنت هيئة المتاحف يوم 28 ديسمبر الماضي “مركز طارق عبدالحكيم” في المنطقة التاريخية بجدة (البلد) تحت شعار “نغمة بين التراث والمستقبل”، ليكون مركزًا يستند على إرث الموسيقار الراحل طارق عبدالحكيم؛ ويهدف إلى الحفاظ على الموسيقى والفنون الأدائية والتراث الثقافي غير المادي للمملكة العربية السعودية. حضر حفل التدشين، الرئيس التنفيذي المكلّف لهيئة المتاحف إبراهيم السنوسي، وعائلة الموسيقار الراحل، وعدد من الفنانين المشاركين من المملكة والدول العربية، من أبرزهم الفنانة توحة التي قدمت عددًا من الأغاني المميزة من تلحين طارق عبدالحكيم، والفنانة القديرة هيام يونس التي اشتهرت بأغنية “تعلق قلبي طفلة عربية” من ألحان الموسيقار الراحل، التي تردد صداها في أثير العديد من الإذاعات العربية في السبعينات، كما حضر الحفل الفنان جميل محمود والفنان عمر العطاس وغيرهم. قدمت حفل التدشين الإعلامية رشا خياط، حفيدة الموسيقار الراحل، التي عبرت في كلمتها عن فخرها واعتزازها بما قدمه جدها طارق عبدالحكيم من إسهامات رائدة في الحركة الموسيقية بالمملكة، مقدمة شكرها لكل من حول حلم الموسيقار الراحل إلى حقيقة بافتتاح مركز يحمل اسمه تحت مظلة وزارة الثقافة. من جهته، قال إبراهيم السنوسي الرئيس التنفيذي المكلّف لهيئة المتاحف في كلمته: “احتفاءً بروّاد الفن والثقافة في المملكة، وتقديرًا لإسهاماتهم القيّمة في تشكيل الهوية الوطنية والتراث الثقافي، اقتنت وزارة الثقافة مجموعة الموسيقار الراحل وأسّست “مركز طارق عبدالحكيم” الذي يهدف إلى الحفاظ على الموسيقى والفنون الأدائية والتراث الثقافي غير المادي للمملكة العربية السعودية”. وأضاف: “يستمرّ إرث طارق عبدالحكيم في تشكيل مسار الموسيقى السعودية وإلهام الأجيال القادمة، ونأمل أن يشكّل هذا المركز المسمّى باسمه، نقطة تواصل بين أجيال المؤسسين والأجيال الناشئة والقادمة؛ ليجسّد المركز شعاره بأن يكون “نغمة بين التراث والمستقبل”. بعد ذلك تحدثت مديرة المركز الدكتورة ليزا يوركفيتش عن تاريخ الموسيقار وعن أهداف المركز الذي يحمل اسمه، مشيرةً إلى أن مركز طارق عبدالحكيم سيلعب دورًا مهمًا في تعزيز فهم تاريخ الموسيقى في المملكة وإسهامات شعبها في مجال الفنّ بشكل عام. صاحب الحفل عروض موسيقية حية عُزفت فيها أشهر ألحان الموسيقار، وفي ختام الحفل، جال الحاضرون في المتحف الذي يستعرض الإرث الموسيقي السعودي وأبرز محطات مسيرة طارق عبدالحكيم. وأقيم احتفال حضره جمع غفير من عشاق الفن في محيط المركز بالمنطقة التاريخية بجدة يوم الجمعة الماضي، فيما فتح المركز أبوابه للزوار ابتداءً من يوم السبت الماضي الموافق ٣٠ ديسمبر. ويتضمّن المركز متحفًا يخلّد سيرة وإرث الموسيقار الراحل عبر عرض مسيرته الشخصية ومجموعة من أرشيفه ومتعلّقاته، ومركزًا للأبحاث الموسيقية يتيح للباحثين الاستفادة من محتوى وأرشيف موسيقي واسع. وينطلق هذا المتحف ضمن جهود هيئة المتاحف في تحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية للثقافة المنبثقة تحت مظلة رؤية السعودية 2030 لتنمية المساهمة السعودية في الثقافة والفنون. أيقونة فنية يُعدّ الموسيقار طارق عبدالحكيم أحد أبرز أيقونات الفن في المملكة، فقد كان موسيقيًا وملحنًا حصد العديد من الجوائز والتكريمات، كان من أبرزها وسام الاستحقاق من الملك فهد بن عبدالعزيز- رحمه الله -، وذلك لما قدمه من إنجازات، كان من أبرزها تأسيس مدرسة موسيقات الجيش السعودي، وتطوير الأغنية السعودية، وتوثيق الإرث الموسيقى، كما حاز على جائزة اليونسكو الدولية للموسيقى من المنظمة العالمية للمجلس الدولي للموسيقى في عام 1981. وكانت وزارة الثقافة قد أعلنت في أغسطس من العام 2020 عن إنشاء متحف موسيقي خاص بالفنان الراحل طارق عبدالحكيم في بيت المنوفي بمنطقة البلد بمدينة جدة، المسجلة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي عام 2014م، وبمحتويات تُعبّر عن ثراء التاريخ الموسيقي المحلي وإسهامات الفنان الراحل في مسيرة الفن في المملكة. ويتضمن المتحف مجموعة من أرشيف ومتعلقات طارق عبدالحكيم الشخصية، من آلات موسيقية وبكرات لتسجيلاته، وألبومات صور، وبعض المقطوعات الموسيقية لكبار المطربين العرب مثل أم كلثوم وعبدالوهاب، إلى جانب وثائق مرئية وصوتية لطارق عبدالحكيم وهو يؤدي مؤلفاته مع آخرين، ومؤلفاته الموسيقية من الأناشيد الوطنية وغيرها. وينقسم المتحف إلى قسمين رئيسيين أولهما لعرض التاريخ الشخصي للفنان الراحل، والثاني مركز للأبحاث الموسيقية يشمل مقالات وكتابات عن الموسيقى السعودية، بالإضافة إلى بحوث عن موسيقى العالم العربي، وسيخدم الباحثين الموسيقيين الذين يتطلعون إلى توسيع معرفتهم بالموسيقى المتنوعة. ويعد طارق عبدالحكيم من رموز الثقافة السعودية ويأتي المتحف تقديرًا للجهود التي قدمها في خدمة بلاده في مجالات الثقافة والموسيقى، التي جعلته واحدًا من الروّاد المؤثرين في صياغة الهوية الموسيقية السعودية. وسيتولى المتحف حفظ التاريخ الذي صنعه الفنان الراحل كما سيحفظ التراث الموسيقي بشكل عام. ويعرف طارق عبدالحكيم بعميد الفن السعودي، فقد كان مُلحّنًا ومُغنيًا، وباحثًا في الموسيقى، ومؤرخًا يجمع الوثائق والآلات الموسيقيّة، وكان مُهتمًا بالفنون الفلكلورية وقائدًا لفرقة موسيقية. رائد من رواد الفن والحركة الموسيقية ولد طارق عبدالحكيم عام 1338هـ/1920م في ضاحية المثناة بالطائف، وبرع منذ يفاعته في غناء الأغاني المحلية وأداء فنون الرقص والموسيقى الشعبية الشهيرة في الطائف، قبل أن يتعرَّف على العود والموسيقى المعاصرة والجديدة في المنطقة الغربية. وبعد انضمامه للجيش، تم ابتعاثه إلى مصر عام 1952م كأول سعودي يدرس موسيقى الفرقة العسكرية، وتعلم هناك قراءة وكتابة النوتة الموسيقية، وقام وقتها بتأليف وتسجيل مقطوعات موسيقيّة غنّى بعضها فنانون عرب، وتم استخدامها في الإذاعة المصرية. وعندما عاد إلى المملكة، أسس مدرسة موسيقى الجيش السعودي عام 1954م ودرّب 14 فرقة لمسيرة عسكرية كاملة تم توزيعها على مدن ومناطق مختلفة من المملكة. واهتم طارق عبدالحكيم بالإرث الشعبي الوطني؛ حيث كتب أكثر من عشرة كتب ومخطوطات تغطي الموسيقى الإقليمية، والآلات، والموسيقيين، كما كتب عدّة أعمال تتناول مجموعة من الموضوعات الثقافية والتراثية من الطعام التقليدي إلى الألعاب والأساطير والأقوال. إضافةً إلى ذلك؛ ألّف أكثر من 500 مؤلَّف موسيقي وعدّة أغانٍ شعبيّة. وفي عام 1972 ساعد طارق عبدالحكيم في تأسيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون. وفي عام 1976 تم تعيين طارق عبدالحكيم رئيساً لقسم الفولكلور في المملكة، كما قام بتشكيل فرقة وطنية تقدم عروضًا في المناسبات الكبرى. وحصل على الاعتراف محليًا ودوليًا، ففي عام 1981 فاز بجائزة اليونيسكو الدوليّة للموسيقى كأول عربي يحصل على هذه الجائزة والموسيقيّ السادس في العالم الذي يُمنح هذا الشرف. وفي عام 1983 تم انتخابه رئيسًا لمجلس الموسيقى العربية التابع لجامعة الدول العربية ثم أُعيد انتخابه عام 1987 حيث شغل منصب ممثل المملكة العربية السعودية. وتسعى وزارة الثقافة إلى أن يكون متحف طارق عبدالحكيم منصة ملهمة وجامعة للأجيال الجديدة من المهتمين بالموسيقى السعودية، يستمدون منها التاريخ والمعرفة الموسيقية، ويعتمدون عليها في بحوثهم ومشاريعهم الإبداعية. ويأتي اختيار الوزارة للفنان الراحل في سياق حرصها على الاحتفاء بروّاد الفن والثقافة في المملكة وتكريمهم، من خلال فعاليات نوعيّة تكشف لعموم الجمهور حجم الإسهامات المؤثرة التي قدمها هؤلاء الروّاد في مسيرة الإبداع السعودي.