تجلّي الشعراء.
بكيت من السراب فحين ولّى و أوحدني . بكيت على السراب بدوي الجبل لا يحتاج الشاعر وهو يكتب أبياته سوى لحظة صدق تسندها موهبته الشعرية ، وهو الشعور الذي انتابني وأنا أقرأ أبيات الشاعر ذعار الفريدي الملقّب (ولد أمس) رحمة الله عليه ..يقول: لا صار ما يعلم بخافيك غيرك مدلّ لو انك عن الدرب غادي صورة آسرة تدلّ على شاعرية ، وتجربة حياة ، منحت صاحبها رؤية عميقة ينطوي عليه بيته الفذّ، وإن بدا في حياكته بسيطا في المتناول. و(ولد أمس) بالمناسبة هو صاحب الأبيات التي طارت بالآفاق: الليلة الدنيا عليّه فضاها اضوق من الإبرة على ناظم السلك التجلي ذاته الذي دفع شاعرا آخر ليخرج بصورة شعرية مختلفة عن العشق ، فلم يقف على جمال المحبوب وصفاته الظاهرة ، وربما كان مجرد تشاكل في النفوس والطباع..يقول: وما الحب من حسن ولا من ملاحة ولكنه شيء به الروح تكلف يشبه الشاعر الرسّام الذي تخاتله أفكاره وشجونه قبل أن تجسّدها لوحاته، لكنه لا يجيد التصنّع والتكلّف المسبق ، والاتكّاء على ما يملكه من معجم يدبّج به الكلمات فتخرج رتيبة بلا روح، كما هو حال عديد من النصوص التي تنشر في وسائل التواصل ، وتكاد تتشابه في لغتها وأسلوبها. وجميل في الشعر أن يكون مرآة عصره ، وأن يكتب بلغة حيّة ، والمهم ألّا ينفكّ الشاعر عن حياته الواقعية التي يعيشها ، فيسبح منفردا دون وجهة واضحة في سماء اللغة والخيال ! والإنسان وإن تغيّرت الأحوال والعصور يواجه كما نعلم الظروف ذاتها وتحرّكه ذات النوازع. يقول أبو حيّان التوحيدي في (الإمتاع والمؤانسة): «قلّما يخلو إنسانٌ من صبوةٍ أو صبابةٍ، أو حسرةٍ على فائتٍ، أو فكر في مُتَمَنَّى، أو خوف من قطيعة، أو رجاء لمنتظر، أو حزن على حال..وهذه أحوال معروفة، والناس منها على جديلة معهودة». أمّا اللغة فهي وعاء يخدم رؤية الشاعر وما يدور في صدره وعقله، والتعامل مع الشعر على طريقة المهندس المعماري الذي يخطّط لكل شيء مسبقاً ، ويعرف التفاصيل الصغيرة والكبيرة ، هذا الأمر لا يصحّ في الشعر، بل يجعل نصّ الشاعر (ممكيج) إذا جاز التعبير، وإن بدا في مظهره متناسقًا مثيرا للانتباه لكنه في داخله باهتًا لا يحرّك ساكنا.